• Google Plus
  • Rss
  • Youtube

مجلة أكاديمية خاصة بالأمن، لماذ؟

د. يوسف گوران

وزير التعليم العالي والبحث العلمي في التشكيلة الثامنة لمجلس وزراء اقليم كوردستان – العراق

https://doi.org/10.31271/jopss.10000

An academic journal about security, why?

ان اصدار مجلة اكاديمية مختصة بالدراسات الاستراتيجية عامة وتحديدا بالدراسات الامنية يعد نقلة نوعية اكاديمية لباحثينا في مجالي الامن والسياسة الي مجالات جديدة ارحب لطالما كانت مستحوذة من قبل نخبة ضيقة من العسكريين( الاستراتيجيين) والباحثين غير الاكاديميين.

يعد الانخراط والتوسع البحثي الاكاديمي في مجالات الامن والدفاع محطة مهمة في مسيرة تطور هذا  الحقل العلمي الى المجال المجتمعي المدني وطرح الاستراتيجيات الامنية والاستراتيجية كقضية أكاديمية تهم وتؤثر على المجال العام وإخراجه من قوقعة الدوائر الامنية والاسخباراتية الرسمية الضيقة للدولة، والتعامل مع قضايا الامن القومي على الأسس المهنية الاكاديمية وبعيدا عن المسائل الايدولوجية( المذهبية و العنصرية).

ان الحديث عن الامن والسياسة في المجتمعات التعددية كالعراق موضوع شائك وذو جوانب و مستويات عدة، فدراسة وصياغة مفهوم الامن الوطني يتطلب قبل كل شيء دراسة مفهوم الامن في المجتمعات ذات التعدد الاثني وتأثير الهوية الوطنية والهويات الفرعية، القومية منها والمذهبية على صياغة هذا المفهوم، واعتقد  هنا اننا لسنا بحاجة الى القول ان العراق كدولة جامعة للقوميات ومذاهب عديدة كانت ولاتزال مفتقرة الى مفهوم جامع للامن الوطني ـ القومي متفق عليه من قبل اثنيات العراق الرئيسة، الامر الذي أثرت ومازالت تؤثر على استقرارها الامني والمجتمعي منذ نشوئها كدولة قبل حوالى مئة عام.

ان القوميات والمذاهب والمكونات المشكلة لــ(الشعب) العراقي مازالت تشعر بعدم الاستقرار والامن خارج جماعتها الاولية الاصلية، لذلك فان جميع محاولاتها تتلخص في فرض مفهومها الخاص للهوية والامن المجتمعي على كافة مناحي الحياة، كما ان الدولة العراقية فشلت وبأمتياز في بناء مفهوم جامع للقومية او الوطنية العراقية العابرة للاثنيات حيث تشعر مكونات العراق فيها بالامن والاستقرار والانتماء الوطني القوي للدولة وشعبها.

ان هكذا مجتمع متعدد الاثنيات يتطلب قبل كل شيء صياغة سياسات وطنية جامعة و غير متصادمة مع مجتمعاتها المحلية، فالمعروف ان المكونات العراق الرئيسة (الشيعة، الكرد، السنة) مازالت تبني سياساتها على اسس قوميةـ اثنية. فالمجتمع الكردي العراقي هو جزء من المجتمع( او العالم) الكوردستاني الاكبر في ايران وتركيا وسوريا، وكذلك الحال بالنسبة للسنة والعالم العربي السني والمجتمع الشيعي العراقي والعالم الشيعي. ان هذه الامتدادات الاثنية العابرة للحدود والمشكلة لكيان الدولة في العراق يتطلب من صناع السياسات الامنية الخارجية منها والداخلية ادراك هذه الطبيعة الفريدة للدولة وجعلها اساسا لصياغة سياساتها الامنية.

منذ اقرار الدستور العراقي عام ٢٠٠٥ اخذت الحديث عن سياسة غير طائفية وعابرة للهويات والمجتمات العراقية والدولة الوطنية و المواطنة مستويات وافاق جديدة، والحقيقة ورغم الثغرات الحقيقية، واحيانا الخطيرة، في الدستور العراقي وخاصة ما يتعلق بتعريف الطبيعة (الثقافية) للدولة وعدم حسمها لكيفية تشكيلة الدولة الفدرالية وطبيعتها وتمثيل المجتمعات المحلية في العاصمة، فان دستور ٢٠٠٥ وضع اساسا جيدا لدولة فيدرالية جامعة لكل الاثنيات وطموحاتها، ولكن بعد اكثر من ١٢ على صدورها مازالت الكثير من بنودها مجمدة وخاصة تلك المواد الخاصة بمصالح اثنية محددة (الكرد والسنة) ويبدو ذلك جليا في البنود الخاصة بتشكيل المجلس الاتحادي(الفدرالي) والمتعلقة بالمناطق المتنازعة عليها.

ان بناء دولة عصرية وفق اسس غير طائفية في العراق يتتطلب اكثر من الشعارات السياسية والانتخابية، فعلى سبيل المثال على صناع السياسة في العراق ومن اجل تقوية الشعور بالانتماء للدولة ودعما لسياساتها العابرة للطوائف إشراك كافة الاثنيات الرئيسية في صنع سياساتها الامنية والاخذ بعين الاعتبار مخاوفها وطموحاتها السياسية والثقافية.

يقع على عاتق الباحثين الاكاديميين الكوردستانيين في مجالي الامن والدفاع طرح مشاكل ومخاوف المجتمع الكرستاني وفق اسس أكاديمية وواقعية بحتة تؤدي في نهاية المطاف الى طرح حلول عملية لمشاكل الاقليم العالقة مع المركز وتخدم الامن والاستقرار المجتمعي، سواء ما يتعلق بالقضايا الخاصة بالاقليم كالمناطق المتنازعة عليها وادارة الملف الامني فيها لحين حسمها و دور ومستقبل قوات البيشمركة (حرس الاقليم) داخل النظام الدفاعي والامني الفيدرالي، أو ما يتعلق بمجمل السياسات والقضايا الامنية الخاصة بالعراق وعلى المستوى الفدرالي كالدور الداخلي والخارجي الذي يجب ان يتطلع به الجيش العراقي وطبيعة تشكيلات القوات المسلحة وأسس ومعايير صياغة الاستراتيجيات الامنية والعسكرية ومدى مشاركة الاقليم والمجتمعات الاثنية في رسمها وكيفية ومعايير توزيع المناصب الامنية في المركز والاتفاقيات والاحلاف الامنية والعسكرية بين العراق ودول الجوار والعالم وتأثيرها على مفهومي السيادة والامن الداخلي والخارجي للعراق والاقليم على حد سواء، كل هذه المواضيع وغيرها، يتطلب من باحثينا وعلـى المستوى الوطني دراستها وتقديم استنتاجاتهم العلمية لصناع القرار الكوردستاني والعراقي.

وختاما أتمنى ان تكون هذه المجلة رافدا اكاديميا مهما في مجال دراسة السياسات والمؤسسات و المشاكل الامنية في الاقليم وفي العراق، وان تلعب دورا في حث مراكز القرار ذو العلاقة على صياغة السياسات والقرارات المتعلقة بالامن والاستقرار المجتمعي والمؤسسي في كوردستان والعراق والمنطقة.

Send this to a friend