قراءات مستقبلیة رقم (٣) ٢٠٢٠
الصراعات المستحيلة فی العراق واقليم كوردستان
– قراءات مستقبلية (3)
– الباحثون: د. يوسف گوران، د. ئوميد رفيق ، د. عابد خالد ، د.هردي مهدي ، ياسين طه
– السليمانية – اقليم كوردستان
– نيسان 2020
فهرست المواضیع
المحور الأول: صراعات تشكيل الحكومة العراقية؛المستويات والسيناريوهات.
المحور الثاني: النظام اللامركزي؛المشاكل وآفاق الإدارة في اقليم كوردستان.
المحور الثالث: مصير معتقلي داعش؛ ومخاطرهم المستقبلية.
توطئة
يتزامن قراءة شهر نيسان لمركز الدراسات المستقبلية مع عودة قضايا مصيرية حساسة في العراق وإقليم كوردستان إلى الواجهة، إذ يواجه الطرفان ثلاث قضايا حساسة محلية وإقليمية ودولية، وهي: إعادة تشكيل الحكومة العراقية، قضية كيفية إدارة إقليم كوردستان (المركزية واللامركزية) وأخيرا سبل التعامل مع معتقلي داعش وأُسرهم داخل المخيمات.
تشكل القضايا المذكورة خطورة آنية في المعادلات المستقبلية في اقليم كوردستان والعراق والمنطقة، وهي قضايا شائكة بإمكانها لعب دور فعال في إدارة جيدة وتكاملية تثبت أركان الأمن المجتمعي، وكذلك السياسي في العراق واقليم كوردستان، وتشكل خطورة في الوقت نفسه على الإدارة والحكم وتمهد لإشتعال رماد القضايا المعلقة.
وتابعت القراءة الثالثة القضايا الثلاثة وسلطت الأضواء على مستويات الصراع فيها وسيناريوهاتها المستقبلية أيضا.
المحور الأول: صراعات تشكيل الحكومة العراقية؛المستويات والسيناريوهات
تعترض عدداً من الصراعات السياسية – الهوياتية العملية السياسية في العراق وتتجدد في كل منعطف ومفصل جديد، دون أن تجد طريقاً للحل خلال السنوات 15 الماضية، في الحين كان بالإمكان أن يكون هدفا للعراق الجديد بعد 2003 هو تصفير تلك الصراعات بعد كل الفرص التي أتيحت لقادته منذاك.
– المستويات الداخلية للصراعات:
على المستوى الأفقي، تتصارع ثلاث قوى رئيسية بشكل مستمر في العراق: الشيعة، السنة، الكورد، وتنبع هذه الصراعات في ظاهرها من قضايا السيطرة، الهوية، الأرض، الحقوق مع الموقع السياسي لكل طرف، أما في جوهرها فتأخذ الصراعات مناحية اجتماعية ومذهبية تتعمق أكثر فأكثر.
وعلى المستوى العمودي، فإن الانقسام الداخلي الشيعي الذي ظهر بقوة في الآونة الأخيرة ترك بظلاله على الصراعات والأزمات. هذا الانقسام الداخلى كان مغطىى بعدد من الأمور في السابق، في مقدمتها عباءة السيد السيستاني وثم الرعاية الإيرانية للخلافات الشيعية ومحاولة تطويقها، كما أجلت المساعي الشيعية من أجل السيطرة على المشهد العراقي الخلافات الداخلية، قبل أن يظهر داعش كعدو مشترك، وحد بدوره القوى الشيعية بشكل مؤقت من أجل درء هذا الخطر المستجد. وفي أثناء توزيع مكاسب الحرب في 2018 جرت الانتخابات البرلمانية في شهر ايار وانقسمت القوى الشيعية على خمس قوائم انتخابية متنافسة، اعقبه اطلاق ترمب حزمة قرارات و سياسات لاحتواء إيران عبر تشديد الحصار على اقتصادها، ثم وصل الأمر لقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني وتوأمه العراقي أبو مهدي المهندس مطلع 2020 ما تسبب بدخول الصراعات الشيعية الداخلية مرحلة متطورة، ضمن محاولات سد الفراغ الذي تركه القائدان الشيعيان البارزان على وقع احتجاجات الشارع التي انطلقت غالبيتها من الحواضن والمدن الشيعية منذ تشرين 2019.
وفي خطوة غير مسبوقة في العراق الجديد أرغمت الاحتجاجات الشعبية، مصحوبة بدخول المرجعية على الخط، الحكومة العراقية برئاسة عبدالمهدي على الاستقالة، وفتح انسحاب الحكومة من المشهد الباب لخلافات وانقسامات أوسع وأكبر أدت إلى تسجيل سابقة جديدة تمثلت بتعثر رئيس الوزراء المكلف (محمد توفيق علاوي) من استكمال مهمة تأليف الكابينة، وبعد تكليف مرشح جديد بدلا منه، وهو (عدنان الزرفي)، تسبب تكليف الأخير في صب الزيت على نار الخلافات الشيعية.
وقد تمحورت تلك الصراعات بشأن تشكيل الحكومة حول ثلاث جهات رئيسية وعدد أخر من التيارات وهي: كتلة سائرون التابعة لمقتدى الصدر، كتلة الفتح بقيادة العامري، ودولة القانون بقيادة نوري المالكي، إلى جانب تيار الحكمة لعمار الحكيم وتحالف النصر لحيدر العبادي وقوى صغيرة مثل حزب الفضيلة. وخارج هذه الخارطة السياسية الشيعية التقليدية، اصبحت الفصائل العسكرية المولية لإيران ذات صوت ونفوذ في مجمل العملية السيية، لدرجة تدور شكوك بأن الكلمة الآخيرة في ملف تشكيل الحكومة تكون لهذه الجماعات، مما باتت القوى السياسية التقليدية تضبط إيقاع خطواتها بناء على توجيهات وتهديدات تلك الجماعات التي تعبر عن الشروط والمصالح الإيرانية بشكل علني.
وتختصر المشكلة الرئيسية للقوى الشيعية في كيفية السيطرة على مقاليد الأمور، والمصالح السياسية وكيفية التحكم بالسلطة، إذ لا يستطيع طرف التنازل للطرف الآخر، لإدراك جميع الأطراف بأن كل من يفقد السلطة في هذا النظام سينتظره مصير حزب الدعوة كقوة سياسية ومصير الجعفري والمالكي والعبادي كقادة سياسيين.
عموما، يمكن القول بأن الصراع الشيعي-الشيعي التي تعترض حاليا مسار تشكيل الحكومة تأتي بالدرجة الأولى كمعوق أساس امام العملية السياسية، ثم تليها الأزمات الداخلية لمكوني السنة والكورد في المرتبتين الثانية والثالثة.
– المستويات الخارجية للصراعات:
يشكل الصراع الإقليمي والدولي عقبة أخرى أمام تشكيل الحكومات العراقية، وفي مقدمتها الصراع الإيراني – الأميركي الذي جعل العراق ساحة للصراعات وصدام المصالح، والذي تسبب بحدوث مشاكل عديدة في الشهور الأخيرة مثل: قصف المواقع العسكرية، احراق واجهة السفارة الأميركية في بغداد، قتل قاسم سليماني وابو مهدي مع عدد من مرافقيهم، قصف القوات الموالية لإيران. وتبين التحركات السياسية للجانبين الحقائق التالية:
أ ـ لا يرغب الجانب الأميركي ترك العراق بعد دفعه أثمان بشرية باهظة منذ 2003، وعلى العكس من ذلك تحاول واشنطن دفع خصومها للرحيل عبر لعب مخلتف الأوراق المتاحة في يدها، وقد أثبتت الأحداث الأخيرة هذه الواقعة.
ب ـ كما لا تنوي ايران ان تستسلم لضغوطات واشنطن، لكون الساحة العراقية لا تشكل موقعا استراتيجيا لإيران وحلقة لاستكمال الهلال الشيعي ومصالحها الجيوسياسية فحسب وإنما منفذ لتخفيف آثار تشديد الحصار عليها أيضا.
وعلى الررغم من التوافق الذي ظهر، في إطار المد والجزر للصراعات الاقليمية والدولية، عند تكليف مصطفى الكاظمي عقب ارغام عدنان الزرفي على الانسحاب في 9 نيسان 2020، إلان أن هذا لايعني ان الصراعات لا تعود بقوة. وان قدر لهذا التوافق ان يستمر لحين منح الثقة لحكومة الكاظمي إلا أنه لا ينتج الا حكومة ضعيفة، أسوة بما شاهدناه في عهد عبد المهدي الذي جعل من توليه الحكم مجرد قناع تغطي قرارات وإرادة قوى فاعلة التي كانت تعمل في الخفاء دون أن تتحمل بنفسها مسؤولية الاخفاقات.
– سيناريوهات إعادة تشكيل الحكومة:
ليس من المتوقع ان تخرج الجولة الحالية لتشكيل الحكومة عن سيناريوهين:
السيناريو الأول: احتمال نجاح الكاظمي في مهمة تشكيل الحكومة الجديدة والحصول على أغلبية أصوات مجلس النواب بناءً على الدعم الذي لقيه من مختلف القوى والمكونات (الشيعة، السنة، الكورد) في أثناء تكليفه، وكذلك التقارب المفترض غير المعلن بشأنه بين واشنطن وطهران، اضافة إلى التوقف الجزئي الذي اصاب التظاهرات بسبب فرض اجراءات الحد من تفشي فيروس كورونا والمخاوف من انتشار المرض في ساحات نشاطها.
السيناريو الثاني: احتمال لقاء الكاظمي نفس مصير سابقيه (علاوي) و (الزرفي) بسبب تجدد الصراعات أو انهيار التوافق الهش بشأنه بين الأطراف الفاعلة الداخلية والخارجية، خلال المهلة المتاحة أمامه وهي 30 يوماً لتشكيل كابينته الوزارية، التي من شأنها ان تكره هو أيضا على الإنسحاب في اللحظات الأخيرة، او عدم اكتمال النصاب داخل مجلس النواب للحيلولة دون منح الثقة بحكومته، مما يفشل بكل هذا عن إنجاز مهمته.
وفي ظل السيناريو الثاني، ونظرا لاستنفاذ الخيارات الدستورية أمام رئيس الجمهورية لتكليف مرشحين آخرين حسب المادة 76 من الدستور، فإن احتمال الإبقاء على حكومة عبدالمهدي أمر وارد ولو لفترة قصيرة من أجل الحفاظ على المكتسبات الآنية للقوى الشيعية، ويشكل هذا الخيار مخرجاً وحيداً بالنسبة لتلك القوى لتجنب إحتمال اللجوء الى المادة 64 من الدستور القاضي بحل مجلس النواب واجراء انتخابات مبكرة أو إحتمال اللجوء إلى المادة 81 بعد منصب رئاسة الوزراء في حالة الخلو وشغله من قبل رئيس الجمهورية وفتح الطريق أمام الأخير لتكليف مرشح آخر لتشكيل الحكومة وفقا للمادة 76. ورغم ذلك فإن مخاطر انقلاب الوضع واتجاهه نحو الفوضى والخراب أمر وارد في كل لحظة، جراء احتدام الصراعات وعدم تمكن الآليات الدستورية المتاحة من السيطرة على الأمور أو إيجاد مخارج للمشاكل المستعصية.
المحور الثاني: النظام اللامركزي؛المشاكل وآفاق الإدارة في اقليم كوردستان:
تنطوي فكرة اللامرکزیة (Decentralization) على نقل عملية إتخاذ القرار والتنفيذ من السلطة المركزية العليا إلى الوحدات الإدارية والسياسية والجغرافية الدنيا في الدولة، ويمكن تنظيم ذلك عبر الدستور، و لاسيما اذا كانت اللامركزية سياسية وهي المعروفة بـ(الفدرالية) التي تملك فيها الوحدات سلطة اتخاذ القرارات على المستويات التشريعية والتنفيذية والقضائية. كما يمكن تنظيم ذلك عبر القوانين العادية، وذلك في حالات اللامركزية الإدارية المعروفة بـ(الإدارة المحلیة) التي تقتصر فيها سلطة اتخاذ القرارات على مستوى تنفيذ السياسات العامة. وتقوم فكرة اللامركزية وفقا للسياقات الدستورية والقانونية السائدة على الدعائم الرئيسة الآتية:
1- تقسيم البلاد الى عدد من الوحدات الجغرافية (اقليم، منطقة حكم ذاتي، ومحافظة، قضاء ، ناحية…) وتتمتع كل وحدة منها بشخصيتها القانونية.
2- منح كل وحدة إدارية سلطة إتخاذ القرارات بشكل تمكنها من حكم ذاته باستقلالية و تأمين مستلزماتها بنفسها.
3- إختيار الحكام والقائمين على الوحدات من قبل سكانها عبر الانتخابات.
4- توفير استقلال مالي من شأنه أن يمكن الوحدات من تأمين مصادر إيرادات خاصة بها وتغطي بها معظم او غالبية مصاريفها.
ويختلف تطبيق نظام اللامركزية من بلد لآخر وفقا لإختلاف تجاربها التاريخية والثقافة السياسية والإدارية، ولا يمكن تطبيق نموذج محدد حرفيا في أكثر من بلد إذ يترك كل بلد خصوصيته وبصمته على كيفية إرساء دعائم النظام اللامركزي وأشكال تطبقه، وينطبق هذا على تجربة كوردستان أيضاً.
تولدت كوردستان وإقليمها من رحم التجربة التاريخية، والثقافة السياسية، والأبينة الاقتصادية الاجتماعية لمجتمع كوردستان، وتستلزم اية محاولة لإرساء نظام لامركزي نشط وجيد فهم الإشكاليات والمعوقات التي تعترضها، التي تغفل عادة بدواعي مختلفة.
– اللامركزية و ثقافة الحكم في المجتمع الكوردي:
تأريخيا لم تحظ كوردستان بالاستقلالية السياسية – الإدارية إلا أنها كانت تُدار بشكل لامركزي حتى اسقاط آخر إمارتها (بابان) على يد العثمانيين عام (1851). وخلافاً للأنظمة الأوروبية التي لعبت الطبقة الوسطى والمثقفة والاقتصادية فيها دورا في دعم بناء الدولة الحديثة المركزية، فإن الواقع السياسي والاقتصادي للإمارات الكوردية لم يدعم إنتاج خطاب قومي جامع في المجالات كافة ومنها المجال الإداري أيضا. وعليه كانت غالبية مناطق كوردستان تدرا حتى أواسط قرن 19 باسلوب لامركزي، مما جعل ثقافة اللامركزية ملائمة كثيرا لواقع المجتمع الكوردي.
شهد التاريخ الكوردي، منذ سقوط آخر إماراتها شبه المستقلة في 1851 وقبل تشكيل حكومة إقليم كوردستان في 1992، تجربتين للحكم الذاتي هما (مملكة 1919في السليمانية وجمهورية 1946في مهاباد)، فكانت التجربتان محليتان، واعترضت توسعهما خارج مناطقهما عوامل داخلية كثيرة اضافة الى العوامل الخارجية.
ويمكن عد تأسيس حكومة إقليم كوردستان في 1992 مرحلة مهمة لتوحيد الخطاب السياسي الكوردی، الا أن الحزبان الكورديان (الدیمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني) قسما المناطق الجغرافية لنشاطهما حتى في اثناء الثورة المسلحة الكوردية ضد البعث، وهذا التقسيم لم يكن تعبيراً عن إرادة الحزبين فقط وإنما كان استجابة لجذور تاريخية وثقافية ومعطيات جغرافية.
وبعد إنتخابات 1992 حاول الحزبان الكورديان الرئيسيان (الديمقراطي والاتحاد) إنشاء حكومة موحدة وفق نظام مركزي، دون أخذ الواقع الثقافي والجغرافي بالحسبان، ولكن على الرغم نجاحات أولية جزئية ومحدودة، لم تستمر التجربة أكثر من عامين لاسباب متعددة منها؛ ضعف ثقافة الحكم المشترك، التدخلات الخارجية، الرغبات الكامنة للحكم الذاتي. ونجمت عن فشل التجربة حرباً داخليةً وإنشطاراً جغرافياً وادارتين مختلفتين حتى العام 2005.
ولم يؤدي توحيد الإدارتين الكورديتين في الإقليم عام (2005) إلى توحيد وزارتي المالية والبيشمرگة مباشرة، إذ بقيتا لفترة بعد ذلك منفصلتين من الناحية العملية، وكذلك الحال فيما يتعلق بمناطق نفوذ الحزبين المعروفة بـ(الزون الأخضر) منطقة نفوذ الاتحاد الوطني و (الزون الأصفر) منطقة نفوذ (الديمقراطي الكوردستاني) في مجالات عديدة، وإزادادت الميول الكامنة نحو الحكم المحلي عن طريق اللامركزية في بعض المناطق، ولا سيما في منطقة نفوذ الاتحاد الوطني، على حساب الحكم المركزي في أربيل العاصمة، مما نجم عنه طرح عدد كثير من المشاريع والقوانين لتعزيز اللامركزية والابتعاد عن هيمنة السلطة المركزية (أربيل)، وأصبحت من الناحية السياسية شعاراً ومحركاً لخطابات بعض القوى والاحزاب السياسية. وبعد 15 عام من توحيد الإدارتين لم يتمكن السلطة المركزية من ممارسة كامل صلاحياتها في جميع مناطق الإقليم ولم تتح للمحافظة والإدارات المستقلة هي ايضا تثبيت صلاحياتها اللامركزية في حدودها، وبقيت الأمور عالقة في حالة شد وجذب بين التوجهين.
– أشكال تطبيق اللامركزية في اقليم كوردستان:
حاليا، يمكن ملاحظة ثلاثة أشكال لتطبيق اللامركزية في اقليم كوردستان، وهي:
1- اللامركزية الإدارية: وهي الشكل رسمي متبع وفقا للعدد منا القوانين، إذ قسيم فيها الإقليم إلى وحدات جغرافية أصغر مثل (المحافظة، القضاء، الناحية…).
2- اللامركزية المناطقية: وهي شكل غير رسمي نجم الى حدما بحكم أمر الواقع جراء اختلافات الثقافة والتاريخ السياسي، وأصبحت خلال سنوات الاقتتال الداخلي (1994- 1998) معروفة بواقعة “الإدارتين”، إذ يظهر الإقليم في ظلها كمنطقتي نفوذ (الأصفر – الديمقراطي) و(الأخضر – الاتحاد).
3- اللامركزية تحت المناطقية: وهي شكل بين الرسمي وغير الرسمي، طبقت في حدود منطقة الأخضر على الإنفراد، إذ استحداث فيها وحدتين إداريتين مستقلتين بإسم (إدارة گَرميانْ) و(إدارة رابَرينْ)، أما في منطقة الأصفر فعلى الرغم من إصدار قرار إستحداث إدارة مماثلة في قضاء (سوران) وطلب إستحداثها في قضاء (زاخو) إلا أنها لم تطبق لحد الآن.
– مشاكل النظام اللامركزي في اقليم كوردستان:
كما لاحظنا طبق نظام اللامركزية في اقليم كوردستان بأشكال متعددة وعلى مستويات مختلفة، إلا أنه يعاني من مشاكل جمة، وفي مقدمتها مشكلة إفتقاد الوحدات اللامركزية للاستقلالية المالية، على غرار إعتماد إقليم كوردستان على التحويلات المالية من السلطة المركزية لإدارة دفة الأمور. وتتمثل المشكلة الثانية في إغفال آلية الإنتخاب الشعبي في تنصيب حكام ومجالس إدارة الوحدات اللامركزية، إذ عدا مجالس المحافظات، لم يعتمد الانتخاب في إختيار القائمين على شؤون الوحدات الأدنى مرتبة مثل (الأقضية، النواحي…) ولا منسقي الوحدات الموسومة بـ(الادارات المستقلة: گرميان ورابرين). مشكلة أخرى تتعلق بعدم تمثيل المحافظات في العاصمة، أو مايسمى بالوضع الدستوري والسياسي للعاصمة، إذ لايزال أربيل في مخيلة عدد من المواطنين والأحزاب كمنافس للسليمانية ولا يُنظر إليه (اربيل) كعاصمة قومية وطنية مفتوحة أمام جميع الأطراف، وبموازاة ذلك لا تتمتع الوحدات اللامركزية (كالمحافظات) بسلطات جديرة بالذكر في العاصمة.
– إصلاح النظام الإداري واللامركزية في اقليم كوردستان:
الحديث عن مستقبل نظام اللامركزية في اقليم كوردستان هو الحديث عن مستقبل النظام السياسي للاقليم برمته، ويمكن رسمه بسيناريوهات متعددة:
السيناريو الأول: بقاء النظام كما هو دون اجراء اصلاحه في المدى القريب، وهذا يفتح الباب أمام تعمق مشاكله الحالية، وتفوت فرصة إرساء نظام حكم متين يحظى بدعم المواطنين في مجمل المناطق، كما يضعف النزعة الوطنية أيضاً أمام تقوية النزعة المحلية.
السيناريو الثاني: جراء غياب الإصلاح وعدم نقل السلطة الى الوحدات الدنيا وتعمق المشاكل، قد تتدهور الأوضاع في المدي البعيد نحو المزيد من عدم الإستقرار وحتى نحو الانقسام السياسي والإداري أيضا، ولاسيما على مستوى مايسمى بواقعة (الإدارتين) والمحافظات أيضا.
السيناريو الثالث: يجد معينه في إفتراض وجود إرادة حقيقية نحو إصلاح نمط إدارة الحكم في الإقليم، عبر تفعيل اللامركزية وتحويل المزيد من الصلاحيات غير السيادية (الاقتصادية والثقافية والخدمية: الصحة والتعليم…) إلى الوحدات اللامركزية، والإبقاء على الصلاحيات السيادية التي تمتلك أبعاداً سياسية قومية ووطنية في العاصمة.
والاطروحة التي ينطوي عليها السيناريو الأخير هي إعادة صياغة إقليم كوردستان وفق مبدأ الفيدرالية أو اللامركزية السياسية، من خلال التمييز بين الصلاحيات السيادية العامة والصلاحيات غير السيادية الخاصة، وتقسيم مستويات الحكم الى (الوطني، الحكم الذاتي، المحافظات، الأقضية)، باستحداث مناطق للحكم الذاتي بين العاصمة والمحافظات وفق اللامركزية المحلية (العاصمة، منطقة الحكم الذاتي رقم 1، ومنطقة الحكم الذاتي رقم 2، ومنطقة الحكم الذاتي رقم 3 أو رقم 4 للمناطق المتنازع عليها مستقبلاً)، فيتم حصر السلطات السيادية العامة ذات الصفة الوطنية (كالعلاقات مع الخارج ومع بغداد، الأمن) بالعاصمة التي تمارسها برلمان وحكومة على مستوى الاقليم ككل. كما يمتلك كل منطقة من مناطق الحكم الذاتي برلمان محلي وحكومة محلية لممارسة الصلاحيات غير السيادية الخاصة بتلك المنطقة، ويتشكل كل منطقة حكم ذاتي بدوره من عدة محافظات على اساس اللامركزية. ويمكن منح وضع خاص للمناطق المتنازع عليها مستقبلاً في حال إختيارها العودة إلى اقليم كوردستان، بتنظيمها في منطقة حكم ذاتي او اكثر بالتوازي مع المناطق الاخرى في الإقليم.
ولتطبيق هذا الشكل من اللامركزية السياسية، يمكن الأخذ بالمقترحات الآتية:
1- تقوية دعائم اللامركزية، مثل التقيد بإجراء انتخابات دورية للمجالس والقائمين بإدارة مجمل أشكال ومستويات الحكم سواء الوطني منها (الاقليم ومناطق الحكم الذاتي) او المحلي منها (المحافظات، الأقضية، النواحي…) وإطلاق يد الوحدات المحلية في تأمين مصادر ايرادها وتمويل مشاريعها.
2- تقنين أشكال اللامركزية التي لايزال العمل بها ساريا بحكم العرف أو الواقع كمخلفات للانقسام السياسي الذي حصل قبل إعادة التوحيد في 2005 مثل واقعة (الإدارتين)، فبدلا من التعامل معها كمناطق نفوذ للحزبين الكبيرين (الديمقراطي والاتحاد)، يمكن تنظيمها قانونيا في شكل منطقتين إداريتين للحكم الذاتي تعبر كل واحد منهما عن الاختلافات السياسية والاقتصادية والثقافية الخاصة بكل منهما وتناط سلطة ادارة كل منهما بمجالس منتخبة من قبل مواطني كل منطقة وتوضع الموارد المالية لكل منطقة وايراداته تحت تصرف مجلسه المنتخب.
3- النظام الحالي لإدارة المحافظات وعددها قديمان وموروثان عن تجربة قرن كامل للسلطة المركزية في العراق، وإذا اريد تعزيز نظام لامركزي فعال، إضافة الى توسيع صلاحيات الوحدات الإدارية المحلية يمكن إزدياد عدد الوحدات الإدارية (المحافظة، القضاء، الناحية) أيضا، ويلائم هذا الحل مع الطبيعة الجغرافية الوعرة والجبلية لاقليم كوردستان ومصاعق الطرق والانتقال فيه. وعلى سبيل المثال يمكن تحويل ادارتي گرميان و رابرين في السليمانية إلى محافظتين، وكذلك تحويل قضاء سوران في اربيل، و زاخو أو ئاكرى (عقرة) في دهوك الى محافظات، والحاق كل منها بمنطقة الحكم الذاتي التابعة لها.
4- ولتعزيز السلطة في المستوى الوطني الموحد بغية حماية المصالح الوطنية العليا وتمتين مشاعر الإنتماء الى السلطات العليا في الاقليم والهوية الوطنية الموحدة للإقليم، ينبغي حصر جمع الصلاحيات السيادية ذات الصفة الوطنية مثل (العلاقات الخارجية والأمن) بالعاصمة. ومن البديهي أن احتكار السلطة المركزية للعلاقات الخارجية والأمنية وتفويض ممارستها للمؤسسات الوطنية يرفع من مستوى الوعي الوطني للمواطنين، ومن المهم أن تكون السلطة المركزية في العاصمة وحدة ادارية مستقلة تتفرغ لممارسة الصلاحيات السيادية فقط، وفي هذه الحالة تأخذ العاصمة منحى وطنيا شاملا ويتم توحيد البيشمرگة والاجهزة الأمنية من الناحية المؤسسية في ظله هذا المنحى ايضا.
5- في نماذج تطبيق اللامركزية ونقل السلطات للإقليم والوحدات الإدارية ليس من المشروط منح سلطات وصلاحيات متساوية لكل الأقاليم والوحدات وفي المجالات نفسها على السواء، بل يمكن ممارسة سلطات وصلاحيات غير متوازية وفق الدستور أو قانون خاص، إذ يمنح بعض اقاليم او وحدات صلاحيات محددة وفي مجالات معينة وفق مطالب تلك الاقاليم والوحدات، ونظرا لاختلاف مطالب الاقاليم والوحدات حسب احتياجاتها تتمايز صلاحيات هذه الاقاليم والوحدات عن غيرها، فترغب بعض الاقليم بممارسة صلاحيات إقتصادية ومالية في حين ترغب اقاليم ووحدات اخرى ممارسة صلاحيات غدارية وصحية وتربوية وغيرها. وبذلك تختلف الاقاليم والوحدات في الدستور أو القوانين المعني من حيث ممارسة الصلاحيات (السياسية، الاقتصادية، الإدارية، التربوية والصحية). وقد جربت العديد من البلدان هذا الشكل غير المتوازي وغير المتكافئ في منح الصلاحيات للاقاليم والوحدات المحلية، مثل اسبانيا إذ يتمتع فيها اقليما (كتالونيا وباسك) ، وكذلك الحال في ايطاليا، إذ يتمتع فيها خمسة أقاليم (صقلية، سردينيا، تيرنتو، أيدجي، فالي دا اوستا، فريولى فينيسيا) وفق المادة 116 من الدستور النافذ بصلاحيات أوسع من الصلاحيات الممنوحة للاقاليم الأخرى في البلاد، ويمكن نقل هذه التجارب إلى كوردستان أيضا.
تشكل هيمنة الثقافة والسياسة المركزية وغياب الخبرة المؤسسية في إدارة الوحدات اللامركزية تحديات كبيرة أمام كل مشروع حقيقي لتطبيق اللامركزية في إقليم كوردستان، ولكن الاخفاق في الوضع الحالي عن اعادة صياغة نموذج جديد لنظام لامركزي فعال ومقبول من الجميع يوسع ويفاقم مخاطر الاستقطاب والانقسام، وبالنتيجة تضع تجربة بقاء الاقليم موحداً امام مخاطر أكثر فتكا وغير محمود عقباها.
المحور الثالث: مصير اسرى داعش؛ومخاطرهم المستقبلية:
بعد إعلان الحرب ضد الدولة الإسلامية بدء عدد معتقلي داعش بالتزايد منذ أواخر 2015، وانضم إليهم أعداد من الذين اعترفوا بوجود صلات لهم بالتنظيم، ولحين السيطرة على قرية الباغوز السورية في 2019 أُضيف إليهم عدد من معتقلي الرقة وباغوز، وفي العراق بعد السيطرة على الحويجة في محافظة كركوك اعتقل منهم عشرات. وبهذا اصبحت نهاية سلطة داعش في العراق و سوريا أمراً واقعا على صعيد المعركة.
– عدد الاسرى وخارطة توزيعهم:
على الرغم من عدم امكانية التثبت من عدد معتقلي داعش على وجه الدقة، بسبب حساسية التعامل معهم وكذلك بسبب تضارب الأرقام وغياب بيانات دقيقة بشأنهم من قبل الدول المعنية بهم والجهات الدولية العاملة في مجال حقوق الانسان، إضافة الى انتساب خلفية الاسرى إلى دول متعددة وانتمائهم الى مختلف الجنسيات، وكذلك إشتمالهم على اشخاص ذوي خطورة بالغة يمكن استخدامهم مستقبلاً كورقة سياسية. ولكن وفق متابعات هذه القراءة تمكن الوصول الى النتائج التقريبة الآتية:
أولاً: في العراق؛ يبلغ عدد معتقلي داعش في حوالي 19000 شخص، يتوزعون على 15 معتقلاً وسجناً اتحادياً، وقد صدرت بحق 3000 منهم أحكاماً بالإعدام.
ثانياً: في سوريا؛ يبلغ عدد معتقلي داعش لدى الإدارات الذاتية في شمال سوريا (روج آفا) والواقعة تحت سلطة ونفوذ قوات سوريا الديمقراطية 12000 مسلحاً، يتوزعون على 8 سجون رئيسة، اضافة الى المعتقلين لدى النظام السوري الذي لم يعلن عن أعدادهم.
ثالثاً: في تركيا؛ اعلن رسميا عن عدد عناصر داعش في السجون بحوالي 700 معتقل.
رابعاً: في الأردن؛ اعتقل حوالي 300 من عنصر تابع لداعش.
ويشير إجمالي هؤلاء الاسرى الى عدد مخيف، يشكل خطراً على مستقبل السلم والأمن الدوليين، ويعد من الناحية الامنية قنبلة موقوتة. وبشكل عام ينتمي هؤلاء المعتقلين الى 45 جنسية مختلفة، وبجانب تلك الأعداد فإن مخيمات إيواء عناصر داعش تضم أكثر من 100 ألف شخص، ومن بينها عدد كبير من الاطفال الذين يفتقرون الى برامج الإصلاح والتأهيل الملائمين.
– اسرى داعش؛ بين القانون والصراعات السياسية:
نظرا لان الغالبية العظمى من اسرى داعش موجودة في روج آفا، وجزء من الاسرى (نحو 3000 ألف) يحملون جنسيات أوروبية، بعد إعلان ترمب ضرورة اعادة هؤلاء المعتقلين الى دولهم، استقبلت الدول أوروبية الأمر باستياء وأعلن عدد منها، مثل فرنسا، رفض اعادة الاسرى ولا عوائلهم، إذ أن الأمر في نظرهم له اعتبارات سياسية قبل أن يكون إنسانياً، وتخاف هذه الدول من استغلال الملف من قبل دول أخرى، مثل تركيا، واستعماله سياسياً ضد أوروبا. وفي الحين نفسه تقع قوات سوريا الديمقراطية تحت ضغوط إنسانية ولوجستية خارجة عن طاقتها، لأن تأمين السجون بحاجة لأكثر من 8000 عنصر أمني، إضافة الى التكاليف المالية من الصحة والخدمات والمخيمات، ولاسيما بعد أن ألغت الإدارات الذاتية في روج آفا عقوبة الإعدام. وحتى الآن لم توافق سوى أربع دول فقط على استلام الاسرى وعوائلهم وهي (استراليا، روسيا، السودان، العراق).
السيناريوهات المستقبلية وموقع اقليم كوردستان في المعادلات المتعلقة بمعتقلي داعش تشكل قضية حساسة وعالقة لأن 60% من القابعين في المعتقلات والسجون هم من الأطفال وويتيح هذا الأمر امكانية تشكيل جيش كبير منهم في المستقبل القريب نظرا لتأثرهم الشديد بأفكار داعش. من جانب آخر فإن أوضاع الشمال السوري (روج افا) غير مستقرة بسبب الصراعات الدولية وأن التكاليف المالية والخدمية جعلت إدارة الأمور هناك أمراً صعباً.
وشكل هؤلاء المعتقلون مخاطر جدية لأكثر من مرة، اولا: بسبب فرار 750 شخصاً منهم حتى الآن، وفرار حوالي 180 مسلحاً آخر في أثناء هجوم سلطات تركيا على روج آفا، وثانيا: بسبب الانسحاب الأميركي من شرق الفرات (روج افا)، وثالثا: بسبب مخاطر تفشي وباء كورونا التي قد تؤدي إلى إيقاف التحالف الدولي لنشاطاتها او حتى اغائها، ورابعا: مخاوف انتشار الوباء داخل السجون نفسها.
وتواجه اقليم كوردستان مخاطر معتقلي داعش من جانبين، يتمثل اولهما في وجود سجون اتحادية على أراضيها، وثانيهما يتمثل في مخاطر انتعاش بقايا داعش في المناطق المتنازعة التي تشهد في الآونة الأخيرة عدد متزايد من نشاط خلاياه، ويقدر عددهم بحوالي 2000 مسلح.
– السيناريوهات المستقبلية:
أولا: إنشاء محكمة دولية خاصة بمحاكمة معتقلي داعش وإعادتهم إلى بلدانهم، بدل محاكمتهم بحسب الاختصاص المكاني الذي يعترضه غالبية الدول الأوروبية.
ثانياً: الإبقاء على الوضع الحالي كمه هو، مع تحمل التكاليف المالية والصحية من قبل البلدان التي ينتمي اليها المعتقلين، وكذلك تحمل مهمة برامج إصلاح أطفال المعتقلين واليافعين منهم وإعادتهم للمجتمع مرة أخرى.
ثالثاً: انتعاش داعش من جديد أو عودة تنظيمه بشكل آخر وتغيير المعادلة السياسية في المنطقة، وفي هذه الحالة فإن سيناريو مهاجمة السجون مرجح كما حدث في سجن بادوش عام 2014، وتشكل السجون مأوى ملائما لأفكار داعش، وأن تجربة البغدادي وتأهيله في سجن بوكا ماثلة أمام العيان.
وفي المحصلة يمكن القول أن المخاطر المحدقة بأمن العالم بشكل عام والعراق وسوريا بشكل خاص حساسة وجدية، ولا سيما بعد سحب التحالف لقواعد ومراكز عسكرية في المنطقة فإن الأمر يبدو أخطر أكثر، كما حدث في منطقة القائم على الضفة السورية غذ انسحب منها التحالف، وكذلك في قاعدة كي ون ضمن قاطع كركوك، والقيارة في الموصل. وفي حال حدوث هذا السيناريو المتمثل بالفرار من السجون المطروح بقوة فأن الجزء الأكبر من المخاطر تواجه اقليم كوردستان نظرا لإحتضان المناطق المتنازع عليها نحو 2000 عنصر لداعش، وتحصد هذه المناطق الجزء الأكبر من تلك المخاطر.