قراءات مستقبلیة رقم (١) ٢٠٢٠
قراءات مستقبلية (١)٢٠٢٠
مستقبل العراق وإقليم كوردستان في خضم دوامة القضايا الراهنة
الباحثون: د. يوسف گوران، د. ئوميد رفيق فتاح، د. عابد خالد رسول، د.هردي مهدي ميكة
فهرست المواضیع
المحور الأول: الاحتجاجات العراقية؛ أسباب محقة ونهاية غامضة
المحور الثاني: إعادة تشكيل الحكومة العراقية المحور الثالث: إنشاء إقلیم سني المحور الرابع: انسحاب القوات الأميركية من العراق |
٣
٤ ٥ 6 |
توطئة
يمر العراق والمنطقة بنفق سياسي مظلم، المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية تترك آثاراً على حاضر ومستقبل المنطقة، لكن الأحداث السياسية الراهنة المهمة والآنية تتلخص في أربعة محاور وتتجسد في أربع قضايا، تلعب دورا في سياسات العراق واقليم كوردستان على المدى القصير والبعيد، وهي: الاحتجاجات العراقية، إعادة تشكيل الحكومة، فكرة إنشاء الاقليم السني، واحتمال الانسحاب الأميركي.
تسلط هذه القراءة الضوء على القضايا المشار إليها في ضوء الواقع والقدرات النظرية والعملية إضافة إلى السيناريوهات المستقبلية داخل المعادلات الحية مع التحليل. وقد أُخذ بالحسبان في جميع تلك المحاور دور وموقع اقليم كوردستان ومستقبل تعامله السياسي لأن اقليم كوردستان يمتلك فرصاً في كل ذلك، كما يواجه تهديداتاً في الوقت نفسه، وهو فاعل سياسي مؤثر ومتأثر بالأحداث ايضاً. وقد صنفت الأحداث الأربعة وفق تسلسل التأثيرات المتتالية لكل منها على الآخر وجر أحدهما الآخر وراءه، بدء الحدث الأول بانطلاق التظاهرات، أعقبه إرغام رئيس الوزراء على الاستقالة، ثم توالت قضايا إنشاء اقليم سني في العراق وانسحاب القوات الأميركية كحوادث آنية ومستجدة.
المحور الأول: الاحتجاجات العراقية؛ أسباب محقة ونهاية غامضة
انطلاق تظاهرات تشرين 2019 في بغداد ومحافظات الجنوب والوسط أعطت رونقاً لخطاب سياسي جديد. وتميزت هذه الاحتجاجات عن سابقاتها لعهد ما بعد 2003، بشعارات مدنية، وتجاوز الأطر المذهبي، ونبذ الفساد، ورفض الهيمنة الإيرانية. في الوقت نفسه تركت أثراً عميقاً على إظهار تهالك نظام الإدارة والحكم للعملية السياسية. ونجمت الاحتجاجات عن تراكم الأخطاء لـ 17 عاماً داخل العملية السياسية مما أدت إلى إضعاف موقع العراق وجر الويلات على شعبه.
يقود الاحتجاجات العراقية، الناشطون المدنيون، الإعلاميون، المثقفون إضافة إلى السياسيين الحزبيين غير المنتفعين خلال الفترات السابقة، لكن من الناحية الميدانية قاد التظاهرات بشكل عملي الخريجون العاطلون عن العمل، والطلبة والشباب إضافة إلى زخم صدري يشارك وينسحب بإيعازات تويترية من زعيم التيار مقتدى الصدر.
يمكن تلخيص الأسباب الأساسية للاحتجاجات في الفساد، الفقر، سوء الخدمات الأساسية، إضافة إلى اصل الفساد المتمثل بالمحاصصة الطائفية والمذهبية بشكل دفعت العراق إلى تقسيم حقيقي وتظهر الإحصاءات الدولية والتقارير العالمية هذه الحقائق والتي دفعت الشيعة إلى الإنخراط في جبهة الغضب والرفض.
وصلت الخسائر الناجمة عن قمع الاحتجاجات إلى ما يزيد عن 750 قتيلاً 27 منهم من الناشطين والاعلاميين، إضافة إلى 22000 جريح، لكن هذه لم تضعف الوتيرة وقد حقق المحتجون مكاسب مثل:
1- تعديل قانون الانتخابات.
2- إنهاء امتيازات المسؤولين.
3- إرغام رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي على الاستقالة.
4- دفع 16 دولة أجنبية عبر ممثليها لإدانة قمع المحتجين من قبل الأجهزة العراقية وتأكيد تلك الدول الفاعلة على حق المتظاهرين.
5- رفض مرشحين لرئاسة الوزراء يتبعون كتل سياسية معروفة.
6- إجبار الكتل على القبول بترشيح محمد توفيق علاوي لتشكيل الحكومة.
لكن هذه النتائج لا تضمن نجاح المحتجين وضمان وصولهم إلى نهاية المطاف لأن القوى السياسية تمتلك القدرة على العمل بالخفاء والتسلل إلى الحكومة المقبلة عبر كتلهم السياسية واستثمار تفسيرات قانون الانتخابات الجديد لأخذ مواقع القرار مستقبلاً.
المحتجون اتفقوا على مطالبهم الرافضة للنموذج الراهن، لكنهم منقسمون بشأن مطالبهم و بشأن ممثليهم و مرشحيهم للفترة المقبلة، لذا أثرت المشاكل الداخلية على توجيه الاحتجاجات نحو مستقبل مجهول من بينها: غياب قيادة وتنسيق مركزي ميداني للمحتجين، اختلاف الرؤى للقائمين على الاحتجاجات حول تحديد الأولويات والمهام، في مقدمتها اللغط الجاري بشأن ترشيح (علاوي) بين الرفض والقبول به اضطراريا مرحلياً وسط دعوات وتأكيدات على أن يكون رئيس الوزراء والوزراء من المستقلين المتحررين من القيود السياسية، وتسبب هذا بتعقيد المشهد السياسي ودفعه إلى شلل واقعي.
ورغم حديث علاوي المستمر عن تطبيق مطالب المحتجين باستمرار، إلا أن إصرار المحتجين على مطالبهم يمكن أن يساهم في تخفيف ضغوط الأطراف والكتل السياسية وهناك من يرى أن إضعاف التظاهرات يضعف موقع علاوي في المفاوضات.
السیناریو هات المتوقعة:
يرتبط مستقبل الاحتجاجات بقضية تشكيل الحكومة بشكل مباشر وتلبية مطالب المحتجين. وتتلخص السيناريوهات في النقاط التالية:
1- تشكيل حكومة وفق مطالب المحتجين وتنفيذ مطالبهم، ويصعب تحقيق هذا بسبب المعوقات التي تحول دون إقدام علاوي على الخطوة إذ يمكنه تهيئة الظروف لانتخابات مبكرة في أحسن الأحوال وإنهاء سيطرة الكتل وتسليم المقاليد لحكومة منتخبة لاحقاً.
2- إنهاء الاحتجاجات أو إضعافها أو تشظيها سيناريو مرجح لأسباب عدة أهمها انقسام رأي المحتجين أنفسهم وغياب قيادة مركزية مقبولة من جميع الأطراف وتنظيم القوى السياسية نفسها من جديد للعودة إلى التقاليد السائدة للحكم من التوافق والمحاصصة.
الكورد والسنة والاحتجاجات
تترقب الحركة الاحتجاجية البرنامج الحكومي لعلاوي، لكن موقف السنة والكورد يرتبط بأهداف الاحتجاجات ويترك أثرا عليها.
السنة والكورد يدعمون المحتجين بحذر ويسجلون ملاحظات على مطالبها، مع هذا لا يدعمون الآليات الراديكالية للتغيير بسبب المخاوف من عودة المركزية والاستبداد. والمحتجون يشعرون بأن تجاوز الأزمة من دون الكورد والسنة أمر صعب.
أما على الساحة الكوردية فرغم القلق من الاحتجاجات، إلا أنها وفرت فرصاً سياسية متاحة، أذ يهدف النخب السنية للوصول إلى هدفين في ظل الظروف التي أتاحتها الاحتجاجات وهما: تقليل الهيمنة المذهبية على الحكومة، والوصول إلى شراكة حقيقية عبر تشكيل اقليم في المحافظات السنية. أما بالنسبة للكورد تتلخص الشراكة الحقيقية في الحفاظ على الحقوق الدستورية وحل قضية المناطق المتنازع عليها. ويمكن أن تشكل هذه الطموحات والمطالب جزءاً من الأجندة الحكومية المقبلة أو شروطاً مسبقة للانخراط في أي مشروع يتطلب مشاركة الكورد والسنة وفق معادلة الفائز – الفائز – الفائز ضمن مثلث التوافق بنسخة حديثة كضامن لاستمرار العملية السياسية.
المحور الثاني: إعادة تشكيل الحكومة العراقية
بعد شهرين من إجبار رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي على الإستقالة كلف رئيس الجمهورية برهم صالح في ظروف عصيبة وبعد رفض عدد من المرشحين، محمد توفيق علاوي بتشكيل الحكومة مطلع شباط 2020. السؤال الأول المطروح يتمثل بمدى نجاح علاوي في هذه المهمة؟ وماذا يستطيع الكورد أن يفعله؟ لشرح هذا من المفضل أن نأخذ بنظر الاعتبار المعايير والمحددات التي يتحرك علاوي على ضوئها لتشكيل الحكومة:
1- المحددات الدستورية:
حينما صوت مجلس الوزراء على استقالة عبدالمهدي، طلب من رئيس الجمهورية تكليف مرشح لخلافته وفق المادة 76 من الدستور العراقي 2005، وبحسب المادة فإن رئيس الوزراء الكلف مطالب بتحديد أسماء أعضاء كابينته ومنهاجه خلال 30 يوماً من تأريخ تكليفه وفي حال تعثره فإن رئيس الجمهورية يكلف مرشحا آخر لتشكيل الحكومة خلال 15 يوماً، وعلى ضوء هذا يمكن توقع السيناريوهات الآتية:
أـ في حال تمكن علاوي من تشكيل الكابينة والحصول على ثقة مجلس النواب، ففي أحسن الأحوال بإمكانه تهيئة الأجواء للاستعداد لانتخابات مبكرة.
ب ـ في حال فشل علاوي في تشكيل الحكومة، من الصعب على أي مرشح آخر تشكيل الحكومة خلال 15 يوماً، لذا يظهر خيار حل مجلس النواب منفذا مطروحا لحل الأزمة، ووفقا للمادة 64 من الدستور يتم حل مجلس النواب بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه بناءاً على طلب ثلث أعضائه أو طلب مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية، وفي هذه الحالة يدعو رئيس الجمهورية الى انتخابات مبكرة خلال 60 يوماً.
ج ـ وفي حال عدم استعداد رئيس الوزراء المستقيل من الاستمرار في عمله كما أعلنه بعد انقضاء 30 يوماً، ، إذا فشل علاوي من تكشيل كابينته، فيُعد منصب رئيس الوزراء خاليا وعندها يقوم رئيس الجمهورية مقامه وفق المادة 81 من الدستور، وعليه تكلف مرشح آخر بتشكيل الوزارة خلال 15 يوماً وفقا للمادة 76 من الدستور.
2- المحددات السياسية:
تتمثل هذه المحددات في جميع العوامل السياسية التي باتت تتحكم بالعملية السياسية في العراق منذ 2003 ومعها تشكيل الحكومات، ولا يمكن استثناء حكومة علاوي منها، وهي تتوزع الى نوعين:
أ- العوامل الداخلية: يأتي انقسام مجلس النواب في صدارة هذه العوامل، إذ لا يتجاوز حجم أية كتلة برلمانية 16% من مجموع مقاعد مجلس النواب، الذي يعكس تنوع مكونات المجتمع العراقي، مع اختلاف اتجاهات الكتل سياسيا وعقائديا داخل كل مكون. وفي ظل هذا الانقسام يضطر مرشحو رئاسة الوزراء بغض النظر عن خلفياتهم إلى محاولة ضمان تمرير الكابينة الوزارية بإرضاء أكثر عدد من هذه الكتل البرلمانية والمكونات، مع الأخذ بالحسبان أن ضمان استمرار وبقاء اية كابينة وزارية مرهون بترضية أطراف الحكومة الائتلافية إضافة إلى ذلك تشكل ساحات احتجاج “انتفاضة تشرين” حاليا عاملاً داخلياً مؤثراً بإمتياز في أية تشكيلة وزارية جديدة.
ب ـ العوامل الخارجية: تتصدر هذه العوامل التدخلات المباشرة والهيمنة غير المباشرة للقوى الدولية والاقليمية في تشكيل الحكومات العراقية، إذ يضغط كل طرف لحسم نواتج تشكيل الحكومة لصالحه، ولا سيما كل من الولايات المتحدة الأميركية وإيران، اللذان يحسبان العراق كساحة لصراعهما السياسي.
وفي ظل هذه العوامل السياسية يمكن توقع خريطتين طريق لتشكيل الحكومة:
1- خارطة طريق مجربة: على غرار الوزارات السابقة ومن أجل ضمان الغالبية المطلقة لأصوات مجلس النواب، يلجأ رئيس الوزراء المكلف لترشيح وزراء كابينته من الكتل السياسية التقليدية مع مراعاة التوازن بين المكونات الرئيسة (الشيعة، السنة، الكورد) وفق مبدأ المحاصصة، وبحسب هذه المعادلة لا يمكن توقع مستقبل أفضل للحكومة الجديدة من سابقتها في ظل إصرار اشتراط المحتجين لتشكيل الحكومة من أشخاص مستقلين غير محسوبين على الكتل التقليدية و بعيدا عن مبدأ المحاصصة.
2- خارطة طريق جديدة: ترشيح الوزراء من خارج الكتل والقوى السياسية المعروفة ومن غير إعتماد مبدأ المحاصصة، وفي ظل هذا السيناريو فإن حصول رئيس الوزراء المكلف على ثقة مجلس النواب أمر غير مضمون رغم ترجيح تصويت الكتل الشيعية لوزارته تحت ضغط الشارع المحتج منذ شهور.
وبشكل عام فإن الخارطة الثانية تمتلك فرصة التطبيق أكثر من سابقتها لأنها تسمح بتهدئة الأوضاع لفترة انتقالية، كما يُعد نصراً رمزيا للمحتجين من جانب ويسمح للكتل المعروفة تمديد عمر مجلس النواب لمدة أكثر (سنة أو أكثر في الأقل) وإدامة نفوذهم الحالي ومكاسبهم لبعض الوقت.
وفي الختام يمكن القول أن الخطوة الممكنة أمام علاوي القيام بها، بغض النظر عن طريقة تشكيل حكومته، تتمثل بالاستعداد وتهيئة الظروف لإجراء انتخابات مبكرة، وخلافا لذلك فإن الأمر لا يخرج من احتمالين لا ثالث لهما:
أ- إدامة الدورة الحالية لمجلس النواب حتى النهاية، عبر تهدأة الاحتجاجات بالترغيب أو قمعها بالترهيب عبر الميليشيات المسلحة.
ب ـ تعمق الأزمات وخروج الوضع عن سيطرة القوى الحالية وإنزلاقها نحو الفوضى والإصطدام.
وفي جميع الأحوال يبدو أن عمر كابينة علاوي قصيرة، لذا من المفضل أن يهتم الكورد بأخذ المناصب الوزارية وطريقة اختيارهم، بل على الكورد أن يعتمد آليات لتهدأة الاوضاع ومساعدة الأطراف العراقية وبخاصة المحتجين على الوصول الى حلول للأزمة، وبناء الثقة بالكورد كعامل تهدأة وخير، واستثمار هذه الثقة بالكورد لدى الأطراف العراقية والمحتجين مستقبلا لقطع عهود منهم للعمل سلميا على حل خلافات العراق مع اقليم كوردستان بشأن المناطق المتنازع عليها، وحصة الإقليم من الميزانية وتأمين مستحقات البيشمركة وقضايا الطاقة.
المحور الثالث: إنشاء إقلیم سني
تأسست الدولة العراقية على المركزية السياسية (1921) وفق مبدأ المركزية السياسية والإدارية إضافة إلى غلبة مكون واحد على مقدرات الدولة. ولم تشأ الحكومة المركزية العراقية ولم ترغب باحتضان باقي المكونات وبخاصة مكوني الكورد والشيعة طيلة العقود السابقة، لذا كان إعادة بناء العراق وفق مبدأ الفيدرالية بعد 2003 خياراً مناسباً لبلد متعدد المكونات. و رغم تأكيد دستور 2005 على فيدرالية الدولة إلا أن العراق لاتزال دولة فيدرالية ناقصة وفق معايير العلمية للفيدرالية وتحتاج للكثري من التطوير لبقاء كدولة وإستمرار استقرارها.
فكرة الإقليم السني:
على الرغم من أن المكون السني قد رفض فكرة الفيدرالية وتشكيل الأقاليم في أثناء كتابة دستور 2005، إلا أن جزءاً منهم يفكرون حاليا في اللجوء إلى فكرة تشكيل اقليم بشكل من الأشكال.
يبدو أن ثلاثة أسباب دفعت السنة حاليا للتفكير بمشروع تشكيل إقليم سني وهي: الشعور بالتهميش الاقتصادي والإداري والتهديدات الأمنية، والشعور بضرورة تقليل صلاحيات المركز في مناطقهم، إضافة إلى الدعم الدولي والإقليمي (المفترض).
من جانب آخر تمتلك غالبية المحافظات السنية حدودا جغرافية وإدارية مع اقليم كوردستان، لايمكن مقارنة تجربة كوردستان من الناحية العمرانية والخدمات والأمن والعلاقات الدولية مع المناطق السنية، لذا يمكن أن يكون هذا النموذج دافعاً للتفكير بالمشروع السني حتى ينال هذا المكون استقلاله من الناحية الاقتصادية والأمنية والعلاقات الخارجية وأداء دور أكبر في المعادلات الاقليمية.
رغم ذلك فإن مشروع إنشاء إقليم سني لا يخلو من معوقات أهمها:
1- التشتت السني حول أصل الفكرة، وإختلاف ميول قادة السنة بشأن الإقليم السني المقترح تشكيله لأسباب عديدة.
2- من الناحية الجغرافية والجيوبولتيكية، يصعب إنشاء إقليم على أساس طائفي. وما عدا محافظة الأنبار فقلما تجد محافظة سنية مكونة من طيف واحد، إذ يشكل الكورد جزءاً كبيراً من الموصل، ويسكن الشيعة والكورد في صلاح الدين وديالى، وكذلك يصعب ربط هذه المحافظات معاً في الوقت الحالي.
3- من الناحية السياسية يعاني المكون السني من مشاكل مع الخارج بغض النظر عن المشاكل الداخلية والتنوع الديمغرافي والاجتماعي وضعف الموقع الاقتصادي. ويصعب على الشيعة القبول بمشروع اقليم سني موحد خاصة إذا امتلكت طابعاً سياسياً. وإن الحساسية الجغرافية للمناطق السنية بجوار الأردن والسعودية وسوريا تعقد الموقف على بغداد، والصراع الإيراني – الأميركي حاضر في هذا الملف بقوة كبيرة ويعطيه بُعداً دوليا وأمنياً.
4- يفتقر الاقليم السني إلى موارد اقتصادية كبيرة، وتحتاج المناطق السنية إلى دعم بغداد إذا لم يتمكن السنة من تأمين موارد اقتصادية فيصعب أن توافق بغداد على منحهم إقليما من دون شروط سياسية، خاصة في ظل معاناة المناطق السنية من تداعيات الحرب ضد داعش وتدمير المدن والقرى والبلدات التابعة لها.
5- من الناحية الدستورية بإمكان كل محافظة أو عدد من المحافظات اعادة تشكيل نفسها ضمن اقليم، لكن تطبيق هذا المبدأ الدستوري أمر صعب خاصة بعد حل مجالس المحافظات واستقالة الحكومة، ويسحيل تشكيل إقليم سني في ظل قانون تكوين الأقاليم النافذ حاليا، كما يتوقع من الحكومة المقبلة عدم قبول اي مشروع بهذا الشأن نظراً لحساسية الموقف وتعقيداته.
الكورد واقليم السُنّة: الفرص والمشاكل
إنشاء اقليم سني يتيح فرصة أمام الكورد لتثبيت مبدأ الفيدرالية في العراق عبر إنشاء الاقليم الثاني، كما يقلل هذا المشروع قلق الكورد من عدم اكتمال الدولة الفيدرالية ويضيف له طرفا متحالفاً للمطالبة بالأقاليم داخل دولة اتحادية ويتيح للكورد أن يلعب دوراً في مجلس الاتحاد المفترض تشكيله والحصص المالية والقضايا الأمنية.
لكن رغم الجوانب الايجابية لإقليم السُنّة فإن قضية المناطق المستقطعة من الإقليم والمتنازع عليها تشكل مشكلة أساسية بين الطرفين وإذا أراد قادة السنة الحصول على استقرار سياسي – اجتماعي فعليهم حل قضية الحدود مع إقليم كوردستان ولمكون الشيعي ، فالمناطق الكوردية في كركوك والموصل وصلاح الدين وديالى والأنبار والمناطق الشيعية في ديالى والأنبار تقف عائقاً أمام اقليم السنة الموحد.
السيناريوهات:
1- بقاء الوضع الحالي كما هو عليه؛ انقسام السنة وغياب القيادة، غياب خطاب موحد قوي، وتشظي الأطراف السنية على اتجاهات وأطراف عديدة يمكن أن يبقى المشروع حبراً على ورق. وبقاء السنة على حالهم مثلما هو الآن.
2- إنشاء اقليم سني في محافظة واحدة؛ جراء خصوصية محافظة ما، سهولة الإجراءات، قلة المشاكل السياسية الخاصة بالحدود الإدارية و وجود دعم خارجي، يمكن أن تدفع احدى المحافظات إلى تشكيل نفسها ضمن إقليم (الأنبار في المقدمة ثم نينوى).
3- توسيع صلاحيات المحافظات؛ للحيلولة دون انتشار ميول التحول إلى إقليم وبقاء السلطات السياسية في المركز وبيد الحكومة الاتحادية ومنح صلاحيات (إدارية ومالية) للمحافظات السنية، لذا من المحتمل منح نوع من الفيدرالية المالية على أساس المحافظة للمدن السنية في حال بقاء الخطاب السني منقسما وعدم استعداد بغداد مشاركة السنة السلطات السياسية.
4- إنشاء اقليم سني موحد؛ رغم صعوبة تحقيق هذا الخيار لأسباب عديدة، لكن انشاء اقليم سني موحد ليس بالأمر المستحيل، ويمكن تشكيل هذا الاقليم على أساس الحقوق الاقتصادية والأمنية. وليس من المستبعد أن تلتحق محافظات سنية بقريناتها بعد أن تتحول إلى إقليم لكن هذه الفرضيات ترتبط بمستقبل الصراع الإيراني – الأميركي ومدى قدرة قادة السنة على المناورة اضافة إلى الدعم الداخلي والخارجي.
المحور الرابع: انسحاب القوات الأميركية من العراق
أعقب قرار قتل الجنرال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس سلسلة من الأحداث المتسارعة شهدها العراق خلال فترة قصيرة وتركت آثارا متتالية على بعضها، الهجمات الصاروخية لحزب الله على مركز أميركي في معسكر (K1)، ومقتل وجرح عدد من الأميركيين والرد الأميركي على حزب الله في الحدود السورية الذي أعقبه الهجوم على السفارة الأميركية في الخضراء كرد فعل عسكري دفعت الصراع الأميركي الإيراني إلى مزيد من التصعيد الحاد. الأحداث المذكورة دفع مجلس النواب العراقي (الكتل الشيعية) إلى إصدار قرار غير ملزم في 5 كانون الثاني 2020، لإخراج القوات الأجنبية من العراق من بينها القوات الأميركية التي يعود تاريخ دخولها البلد إلى غزو 2003 وحصنت موقفها القانوني باتفاقية مع الحكومة العراقية في 2008 “الاتفاقية الأمينة” قبل أن يقدم الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما على سحب جزء كبير من تلك القوات في 2011.
انتشار القوات الأميركية في العراق من جديد يعود إلى عام 2014 حينما استدعاهم العراق، جراء مخاطر داعش واقتراب التنظيم من بغداد، وتم الإستدعاء من قبل وزارة الخارجية العراقية وعبر الأمم المتحدة ضمن تحالف دولي مكون 66 دولة بقيادة الولايات المتحدة.
السياسة الخارجية للولايات المتحدة بعد مقتل الجنرال سليماني
تمثل الهدف الأميركي من قتل سليماني احتواء إيران أكثر، عبر منع تمددها بقيادة قاسم سليماني. ورغم وصف عهد ترمب من قبل المحللين بغير المستقر إلا أنه يبدو أن قتل سليماني ساهم كثيرا في إيقاف تحرك إيران و أذرعها في المنطقة.
السيناريوهات وخيارات أميركا:
بعد الأحداث الأخيرة والخيارات المحدودة (خاصة في الوقت الراهن في ظل تزايد المعارضين) يمكن توقع الاحتمالات الآتية:
1- إعادة انتشار القوات الأميركية، تمتلك أميركا 13 موقعاً عسكرياً في العراق، وبعد استهداف بعض تلك المواقع، من المتوقع أن يعيد الجيش الأميركي انتشاره من الناحية النوعية (المقاتلين، الخاصة، الحماية، المستشارين، المدربين) على أربع قواعد، وتمثل قواعد مطار أربيل وكركوك وعين الأسد ومطار بغداد أفضل الخيارات ومن غير المستبعد أن تقدم القوات الأميركية على تقليل عدد قواتها في العراق.
2- اختيار غرب العراق وتحديداً محافظة الأنبار وتقوية مواقعها فيها لنيل مساندة القوى السنية.
3- نقل المواقع العسكرية إلى إقليم كوردستان.
4- سحب القوات الأميركية جميعاً من العراق وفرض حصار اقتصادي أميركي عليه ودفع العراق خارج إطار التحالف الدولي وفي هذه الحالة يعتمد العراق أكثر على قوات الناتو لتحل محل الأميركية.
الخيارات السابقة هي المتاحة أمام الجانب الأميركي، لكن الخيار الأقوى هو احتمال إعادة انتشار القوات الأميركية وتمثل المناطق السنية وكوردستان ملاذا آمنا للقوات الأميركية، لكن من أجل الحفاظ على المصالح الاقتصادية ومصادر الطاقة فإن الأراضي العراقية تمثل استراتيجية لأميركا.
وبالنسبة للكورد فإن الخيار الأول هو الأنسب من أجل الحفاظ على التوازن الإقليمي المتمثل بمصالح أميركا والضغوطات الإيرانية.
الكورد وانسحاب الجيش الأميركي:
قاطعت الكتل الكوردية بشكل جماعي التصويت على مشروع قرار طرد القوات الأميركية الصادرة من مجل النواب، وتركت هذه المقاطعة سخطا شيعياً ورغم ذلك أعلنت رئاسة اقليم كوردستان بقاء مخاطر داعش على العراق واقليم كوردستان وأن ذلك يستدعي بقاء القوات الأجنبية.
ينبغي على اقليم كوردستان أن تتعامل مع هذه القضية من منطلقين، منطلق الأمن باعتبار الأميركيين قوات دعم، والمنطلق الثاني ضمان دعم سياسي لكوردستان. وتقترح مراكز بحث أميركية بقاء القوات الأميركية في كوردستان، باعتبارها منطقة آمنة وبسبب العلاقة الوثيقة بين الكورد وأميركا وأن الكورد يمتلكون كياناً سياسياً يمكن أن تتحول إلى دولة في يوم ما، ولكن هذا الخيار يواجه تحديات في مقدمتها: التحديات الداخلية المتمثلة باحتمال تفكير الحكومة العراقية وساسة الشيعة في الانتقام عبر تعليق العلاقات وسد المخارج السياسية والاقتصادية للإقليم، كما حدث بعد استفتاء 2017 إذ شملت الإجراءات العقابية إيقاف الرحلات الجوية.
أما بشأن التحدي الخارجي فهو يتمثل في الضغوطات الإقليمية ضد إقليم كوردستان، خاصة من قبل إيران وبالنسبة لكوردستان يصعب الحفاظ على التوازن بين تناقض إيران والولايات المتحدة الأميركية في ظل اعتبار إيران كوردستان جزءاً من استراتيجيتها الأمنية والعسكرية.