قراءات مستقبلية رقم (٩) ٢٠٢١
عهد بايدن…
سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط؛ وتداعياتها على العراق وكوردستان
– قراءات مستقبلية (9)
– الباحثون: د.يوسف گوران، د.ئوميد رفيق فتاح، د.عابد خالد رسول، د.هردي مهدي ميكة
– مركز الدراسات المستقبلية- السليمانية – اقليم كوردستان
– شباط 2021
فهرست المواضیع
المحور الأول: خطوط السياسة الامريكية الجديدة تجاه الشرق الاوسط في (عهد بايدن)
المحور الثاني: العراق… الباحة الخلفية لطهران و واشنطن
المحور الثالث: تداعيات السياسة الاميركية الجديدة تجاه الشرق الاوسط على كوردستان
توطئة
بعد استلام جو بايدن مهامه رئيسا للولايات المتحدة الاميركية مع ادارته الجديدة، تقف منطقة الشرق الاوسط وفواعلها المختلفة، بجميع ازماتها وصراعاتها، امام فرضية بدء مرحلة جديدة ضمن سلسلة السياسات الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، وربما تختلف المرحلة الجديدة عن مرحلة الرئيس السابق دونالد ترامب بحد كبير مما يمكن وصفها بـ(عهد بايدن) ولا سيما ان الرئيس الجديد و رموز ادارته يمتلكون دراية وخبرات واسعة بشأن ازمات المنطقة وصراعاتها، بدءا من ملفات ايران وسلوكها في خلق عدم الاستقرار في المنطقة وصولا الى ازمات العراق، سوريا واليمن وعلاقات واشنطن بحلفائها التقليديين في المنطقة (السعودية، تركيا، اسرائيل) اضافة الى ملفات القضية الفلسطينية والعديد من الازمات والصراعات الاخرى، وينتظر ان يشهد العهد الجديد تحولات واضحة في اوضاع هذه الملفات مستقبلها. وفي اطار كل ذلك ربما يتاثر كل من العراق وكوردستان بجزء كبير من تداعيات العهد الجديد وخطوط سياساته في المنطقة.
يعالج العدد التاسع من (قراءات مستقبلية) عدد من خطوط السياسة الامريكية الجديدة في الشرق الاوسط في ثلاث محاور التي سيتم العمل بها في هذه المرحلة مع دراسة التداعيات المستقبلية لتلك السياسة على العراق وكوردستان.
المحور الأول:خطوط السياسة الامريكية الجديدة تجاه الشرق الاوسط
في (عهد بايدن):
مع بدء جو بايدن (الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة الامريكية) لمهامه، يمكن التكهن بمستقبل السياسة الامريكية تجاه الشرق الاوسط وفق منظورين، الاول هو ان سياسة اميركا تجاه المنطقة في عهد بايدن، كرئيس من الحزب الديمقراطي، ليست الا امتدادا للمفهوم الذي كان يوجه السياسة الخارجية الاميركية منذ نهاية الدورة الاولى لفترة رئاسة باراك اوباما، والتي اعتمدت فكرة ان المصالح العليا الامريكية دخلت حقبة جديدة تختلف كثيرا عن حقبة ما بعد الحربين العالميتين والحرب الباردة، ففي هذه المرحلة اصبحت الصين العقبة الرئيسية الاقتصادية والسياسية لامريكا وليست روسيا، وان مصالح اميركا اصبحت مع الشرق لا الغرب، لذلك فان انعطاف امريكا في هذه المرحلة نحو شرق اسيا على حساب الشرق الاوسط سيكون العنوان الرئيسي للسياسة الخارجية الاميركية، ولا سيما مع تزايد انتاج النفط الصخري في الداخل الأمريكي، اذ فقد الشرق الاوسط اهميته الاستراتيجية السابقة كمنتج رئيسي للنفط، وهذه الاسباب ادت الى تغيرات جذرية على تاريخ العلاقات القوية بين اميركا والشرق الاوسط، ومن المؤشرات والدلائل الواضحة لهذه المرحلة الانسحاب العسكري الأمريكي من المنطقة ومن بعده انخفاض مستوى انشطتها السياسية فيها.
اما المنظور الثاني؛ فهو ان نتائج التحولات التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الأخيرة وتأثيراتها البعيدة المدى لن تكون بسيطة على المصالح العليا الأمريكية في عهد بايدن، وتحديدا بعد التقدم الذي شهده البرنامج النووي الايراني والذي ازداد مخاطره وتهديده العالمي، وكذلك عودة ظهور الارهاب والجماعات الارهابية فى المنطقة مما يشكل مخاطر على مصالح امريكا، اضافة الى مخاطر التمدد الصيني الى اسيا وافريقيا باعتماد مشروعها العملاق المعروف ( الحزام والطريق) الذي استطاع من جذب العديد من الدول، التي كانت في السابق تدور في فلك امريكيا، الى تحت هيمنة صين الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية، وعبر ممرات عدة بدءا من جنوب شرق اسيا وافريقا واسيا وشرق وشمال اوربا والشرق الاوسط وبحر شمال روسيا، اذ اعلنت حتى الآن 130 دولة موافقتها على المشروع كما وقعت اكثر من نصف هذا العدد اتفاقيات مع الصين في اطار ذلك المشروع، ولا شك ان بعض ممرات هذا المشروع تمر من الشرق الاوسط الذي هو محط اهتمام الصين، ولا سيما الدول النفطية في الشرق الاوسط التي تشكل المنتج الرئيس للطاقة، وبعضها مثل (السعودية) هي المورد الرئيسي للنفط الى الصين, فوفق هذا المنظور فان هذه المخاطر والتهديدات ستجبر امريكا في عهد بايدن باعادة النظر في مفهوم مصالحها العليا التي اعتمدتها في العقد الاخير وإعادة مراجعة سياساتها في ظل ذلك المفهوم، وسيكون الشرق الاوسط في تلك المرجعة موضع اهتمام امريكي ومحورا مهما لمنافساتها على الصعيد الدولي.
وضمن المنظورين المذكورين، يصعب التكهن بالمنظور الذي ستعتمده امريكا في رسم خطوط سياسيتها المستقبلية في المنطقة (خلال فترة السنوات الاربع لولاية بايدن) الا ان التمعن في خلفية بعض رموز ادارة بايدن الجديدة يمكننا من استنتاج بعض السيناريوهات؛ (بريت ماككورك: منسق الرئيس الامريكي للشرق الاوسط وشمال افريقيا) كان المبعوث الخاص للرأيس الامريكي الاسبق باراك اوباما الى التحاف الدولي ضد داعش، (انطوني بيلينكين: وزير الخارجية الاميركية) معروف بتأيده للخيار الدبلوماسي مع ايران ومساند قوي لاسرائيل ويفضل العودة للتحالفات والمنظمات المتعددة الاطراف، (لويد اوستن: وزير الدفاع الامريكي) كان آخر الجنرالات الذين شاركوا في احتلال العراق وهو اول رجل اسود قاد القيادة الوسطى للقوات العسكرية الامريكية الخاصة بالشرق الاوسط، (ويندي شيرمان: نائب رئيس الخارجية الاميركية) كان رئيس المفاوضين في المباحثات التي قادت الى الأتفاقية النووية مع ايران عام 2015 كما كان نائبا لوزير الخارجية في عهد ادارة اوباما، (روبرت مالي: المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي للملف الايراني) كان مستشارا في ادارة اوباما وعضو فريق المفاوضين في مباحثات الاتفاقية النووية الايرانية كما هو خبير اكاديمي لشؤون الشرق الاوسط، اضافة الى (كامالا هاريس: نائب الرئيس الامريكي ) المعروفة عنها بانها نسخة اوباما النسائية.
وبالاستناد الى رموز الأدارة الاميركية الجديدة يمكن تحديد اهم خطوط السياسة المستقبلية الاميريكية ازاء لشرق الاوسط خلال السنوات الاربع المقبلة في الاتي:
– العودة الى المفاوضات بشأن عودة اميركا ثانية الى التزام بالاتفاقية النووية الايرانية، بالتشاور مع حلفاءها والمشاركين في الاتفاقية، شرط ان تؤدي المفاوضات الى ضمان كبح البرنامج الايراني بشكل اقوى قبل رفع العقوبات عن الايران مع ايجاد حل للبرنامج الصاروخي الايراني في المطاف نفسه.
– اعادة النظر بالدعم العسكري الامريكي لدول الخليج في حرب اليمن، ولا سيما السعودية لم تعد امريكا على استعداد لغض النظر عن تورط قيادات هذه الدولة في قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي، والذي ربما يخلق توترا كبيرا بين الطرفين، رغم ان السعودية تسعى الى الاستفادة من ورقة تطبيع العلاقات مع اسرائيل في هذا الاطار.
– التركيز على الحرب ضد الارهاب في المنطقة، والسعي لانهاء الصراعات في افغانستان والعراق مع استمرار سحب القوات العسكرية في البلدين الى مستويات ادنى.
– التزام امريكا الدائم بامن اسرائيل، رغم الغضب الذي شهدته المنطقة ضدها عام 2018 اثر نقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس. وعلى خلاف ترامب الذي كان صريحا في تاييده لاسرائيل فان بايدن وكما هو معروف عن الديمقراطيين فهو مع حل اقامة الدولتين (فلسطينية واسرائيلية).
– العمل على تكثيف الحضور الاميركي في احداث الشرق الاوسط، وفي الاقل لمواجهة تحديات كل من روسيا والصين، إذ تستغل الاولى (روسيا) الاظطراب الامنية في المنطقة وظهور الصراعات فيها بغرض تغيير المنظومة الامنية للشرق الاوسط ومن ثم تقوية نفوذها فيها، أما الثانية (الصين) فتعمل على الاستفادة من الضعف الاقتصادي لدول الشرق الاوسط لتعزيز موقعا في المنطقة.
المحور الثاني: العراق… الباحة الخلفية لطهران و واشنطن
أولا: حول المسائل العامة للعراق:
الملف الايراني الاميركي واحد من المتغيرات المؤثرة في السياسة الاميركية في عهد بايدن، فطبيعة التعامل الامريكي مع ايران ايجابا او سلبا سوف تؤثرفي سياسة امريكا ازاء العراق والمنطقة بشكل مباشر، فبالرجوع إلى تجربة بايدن (باستثناء المرحلة التي كان فيها سيناتورا ) اذ تم اللجوء الى سياسة التوازن ( نەشیش بسوتێ و نە کەباب )مع ايران منذ عام 2009، حين كان بايدن نائبا لاوباما ومسئولا عن الملف العراقي، وقد ادرك وقتها ان امريكا والحلفاء ليسوا المشاركين الوحيدين في ادارة العراق والمعادلات المعقدة فيها، إذ ثم شريك مفروض وهو ايران، وغريم منافس له وهو قاسم سليماني الذي تم توكيل ادارة ملف العراق اليه من قبل حكومته. ومنذ ذلك الوقت اخذ الجانبين بنوع من طرق الدبلوماسية السرية والواقعية، في ادارة الملفات العراقية عموديا وافقيا بدءا من تقسيم السلطات وحتى صعود الطائفية إلى الحكم، واستمرت هذه المنهجية المشتركة بين بايدن والسليماني الى حين مجئ ترامب الى البيت الابيض.
ثمة تغيرات طرأت على العالم والعراق كما ان مرحلة ما بعد كورونا ستكون مختلفة عن سابقتها و تغيرت معها سياسة امريكا ايضا، اذ لن تتكرر سياسة السنوات الاربع السابقة. ان واشنطن وطهران لم ترغيا باللجوء الى المواجهة العسكرية المباشرة حتى في عهد ترامب وقاسم سليماني، ما يدل على ان العراق لا تزال تشكل الباحة الخلفية لكل من طهران و واشنطن، وان اي تقارب او تباعد بينهما سوف يؤثر في امن وسبادة وتطور العراق بجميع مكوناتها، كما ان الطرفين يلوحان بالاستمرار على استخدام ورقة العراق الناعمة والصلبة ضد بعضهما البعض.
بايدن وعناصر ادارته المختصة بملفات العراق على دراية بقضايا العراق، الا ان سياسة بايدن الراهنة ازاء العراق غير واضحة، كما لم يشر خلال حملته الانتخابية بشكل صريح وعام الى سياسته تجاه العراق، ويبدو انه يدرك جيدا ان صياغة اية سياسة تجاه العراق قبل صياغة سياسته تجاه ايران ستبدو غير واقعية وغير عملية أيضا.
ستؤثر ثلاثة عوامل جديدة-قديمة في تعامل ادارة بايدن مع العراق:
1- قضية الميليشيات القديمة-الجديدة التابعة لايران في العراق، فمنذ عهد اوباما بعد عام 2014 شكلت اعادة تنظيم الميليشيات “الايرانية” العراقية بذريعة التصدي لداعش عقبة لأدارة اوباما وفريقه. فان ايران وميليشياتها استطاعت عبر سياسة المد والجزر امام امريكا في منح ايران فرص اقتصادية وسياسية، عبر اعادة اميركا الى مسار التفاوض لإبرام اتفاقية 5+1. ثم ظهرت حديثا ميليشيات الحشد الولائي واتباعها كما ولدت ميليشيات جديدة من رحم هؤلاء (اصحاب الكهف، سرايا عشرين، اولياء الدم، ربع الله…الخ)، وتؤدي الأخيرة مهام الحشد الولائي في ضرب مصالح امريكا في المنطقة، وهي ايضا اداة تكتيكية لخليفة قاسم سليماني (قانافي) الذي يعرض عضلات ايران امام اميركا. لذلك لاتقتصر مهام بايدن على تقويض قدرة الحشد الولائي وارضاء مكونات العراق فحسب وانما التعامل مع الجيل الثاني من الحشد الولائي الجديد.
2- قضية اتفاقية (5+1): واحدة من القضايا التي ستؤثر بشكل مباشر على سياسة البيت الابيض الاقليمية وفي العراق ايضا، في مسألة العودة او عدم العودة الى اتفاقية عام 2015 (5+1) المتعلقة بالبرنامج النووي الايراني. ففي حالة التقارب والتفاوض بشأن العودة للإلتزام بالاتفاقية سترفع العقوبات عن ايران مما ينعكس ايجابا على العراق، كما تقلل من ضغوطات ايران على بغداد واربيل في مسائل تبيض الاموال والمشاكل المصرفية والعملة والنفط وشراء الاحتياجات العسكرية والصناعية.
أما في حالة عدم العودة الى الاتفاقية 5+1، وهي احتمالية واردة جدا (أو في الاقل عند تعديل الاتفاقية بالضرورة)، ستبدء ايران ضغوطاتها على امريكا من اراضي العراق والتي تعد ارضية مناسبة للتقليل من اثار العقوبات على ايران، كما ستعرض عضلاتها في العراق باللجوء الى اظهار قوتها الناعمة والصلبة في العراق وخلق المشاكل لإدارة بيت الابيض الجديدة.
يبدو ان المشاكل الفنية والسياسية لاتفاقية (5+1) قد ظهرت منذ المرحلة الاخيرة لولاية اوباما، إذ انتقد الاصوليون داخل ايران الاتفاقية من جهه، فيما رأى الامريكيون من جهتهم ان الاتفاقية تفتقر الى العديد من النفاط المهمة، اذ كان من المفترض الحد من الصواريخ الايرانية البعيدة المدى والعابرة للقارات في الاتفاقية، لأن أيران استطاعت بتلك الصواريخ ان تعرض مصالح اميركا وحلفائها الى الخطر في لبنان واليمن وسوريا العراق قبل ان تمتلك الأسلحة النووية. ولم تمتنع ايران عن ارسال صواريخها الى الجماعات الموالية لها في تلك الدول فحسب، انما قامت بتفعيل وتنشيط صناعتها النووية وافرانها بنسة 20% مما يعد مخالفا لبنود الإتفاقية المبرمة.
يتتبادل كل من البيت الابيض والباستور الاتهامات بخصوص انتهاك الاتفاقية ولا يرغب اي طرف منهما ابداء نوع من المرونة والمبادرة الى الانفتاح على الآخر، وفي آخر رد فعل صرح بايدن بشكل قاطع انه اذا لم ترجع ايران الى الدول (5+1) فانه ليس لديه أية رغبة بالعودة الى ايام مرحلة (5+1)، رغم انه فتح بابا امام ايران في مؤتمر ميونخ للامن مع الابقاء على تحفظات مسبقة. فيما ستكون لانتخابات ايران الرئاسية دور في اتساع او ردم الهوة بين طهران وواشنطن.
2- قضية الكورد في ايران والعراق: ستكون هذه القضية مرة اخرى متغيرا مؤثرا ومتاثرا في و بسياسة بايدن في المنطقة. رغم ان لبايدن تاريخ اطول في التعامل مع الكورد في العراق اكثر بكثير من تعامله مع القضية الكوردية في ايران، ففي حالة استمر البتعاد بين طهران و واشنطن فان اميركا ستستخدم قضية كورد ايران كورقة ضغط على طهران وكذلك ستكون مناطفق الكورد بالعراق المنطقة الامنة الاخيرة لجنود امريكا وسياستها ضد أيران واتباعها. ان العروض الاخيرة لايران واتباعها في كوردستان والعراق تبعث بانباء غير سعيدة للعراقيين، والتي تجسدت في قصف القواعد والمصالح الاميركية وحلفائها في كوردستان ووسط وجنوب العراق واستهداف السفارة الاميركية وضرب الاطراف السياسية القريبة من اميركا واغتيال الناشطين، وتشير كل هذا الى ان هناك طريق وعرة تنتظر العراقيين في ظل سياسة البلدين المعقدة.
ثانيا: حول مسألة الجماعات المسلحة العراقية:
يمكن قراءة السياسة الاميركية تجاه هذه الجماعات في ثلاث مستويات:
المستوى الاول: مرهون بسياسة امريكا تجاه طهران وتحكمها بسلوك هذه الجماعات، إذ تنظر أمريكا إلى هذه الجماعات وتتعامل معها بوصفها ممثلة لايران. كانت هذه الجماعات المسلحة قبل انتهاء حرب داعش تشبه في قوتها وحجمها الرعيل الاول من النموذج اللبناني، التي ظلت اكثر تحفظا وخجلا واقل انصياعا لايران بخصوص وجود القوات الاميركية بالعراق، فيما دعت قسم منها قوات التحالف الدولي الى مساعدة العراق في الحرب على الارهاب. اما القسم الثاني فهو الرعيل الثاني من هذه المجموعات، التي تبدو اكثر وضوحا وتشددا في انتمائها، ولها اجندات صريحة تعد امريكا دولة محتلة. وقد وظهرت معظم هذه الجماعات وتشكلت بعد مقتل قاسم سليماني ومهدي المهندس وباتت تمتلك الثقل العسكري وقرار الحسم.
المستوى الثاني: يرتبط بالتعامل الاميركي مع المفاوضات الاستراتيجية العراقية-الاميركية المعروفة بالمفاوضات الاستراتيجية، التي بدأت لبحث الملفات المهمة ومن ثم التوقيع عليها لاحقا كاتفاقيات استراتيجية، واحدى الملفات الحيوية في هذه المفاواضات هي الملف الامني وموضوع تخفيض عدد القوات الاميركية في العراق وخطر الارهاب وكيفية تقوية الجيش العراقي وتفكيك الجماعات والميليشيات المسلحة.
المستوى الثالث: هو التعامل الاميركي مع اقليم كوردستان بشكل عام ومع ملف الامن في الاقليم بشكل خاص، الذي يتمحور حول اهمية اقليم كوردستان الاستراتيجية لدى الجانب الامريكي وموقع كوردستان في الاتفاقية الاستراتيجية.
حول المستوى الاول: ان السياسة الخارجية الاميركية لا تقبل باستخدام القوة ضد ايران وتبحث عن متغيرات جديدة وبدائل سياسية حديثة، كما ترفض النموذج السعودي للتحالف مع العراق،لذلك فان الخطاب الرسمي الايراني واتباعها من الجماعات التي تمثلها يؤكد بصراحة الحفاظ على التوازن بين الضغط والعداء المباشر لامريكا، ويمثل هذا النموذج الرعيلين الاول والثاني الذين تم ذكرهما في المستوى الاول سابقا.
حول المستوى الثاني: وهو التزام امريكا والعراق في الاستمرار بخطوات الحوار والتوصل الى اتفاقية استراتيجية عراقية – اميركية، فعندما نحلل الاساليب السياسية والمواقف في الصورة العامة لهذا المستوى، مثل اختيار ماككورك للشرق الاوسط، نستنتج بانه ثم توجه نحو سياسة غير ثابتة، وربما يكون الخيار فيها تخفيض القوات الاميركية مع تزايد دور الميليشيات.
اما حول المستوى الثالث: اقليم كوردستان وامن كوردستان، فان رد الفعل الامريكي على الهجوم الصاروخي ليلة (14 شباط) على اربيل وتوجيه اصابع الاتهام الى المجموعات المسلحة الشيعية، التي وصفت نفسها بقوات المقاومة، كان فرصة وبداية جديدة لظهور دعم اميركي غير معلن للاقليم بعد اربع سنوات من سياسة المتفرج المنحاز للعراق على حساب اقليم كوردستان.
يمكن الاشارة الى هدفيين اساسيين في هذا المنعطف، الهدف الاول جسد الضغوط التي يمكن ان تمارس ضد اربيل التي باتت غير محمية بالنسبة لامريكا. اما الهدف الثاني فجسد الفرصة التي مكنت امريكا من ان تعلن عن نفسها بوضوح وليس مستبعدا ان تستهدف الجماعات المسلحة قريبا.
المحور الثالث : تداعيات السياسة الاميركية الجديدة تجاه الشرق الاوسط على كوردستان
تعتمد سياسة بايدن ازاء اقليم كوردستان وكوردستان سوريا قضايا ومحددات اخرى اهمها:
اولا: يعتمد الديمقراطيون في السياسة الخارجية والامن القومي على التحالفات المتعددة والمنظمات المشاركة والتي ميزت معظم ادارات الامريكية للديمقراطيين، كما اهتم الديمقراطيون كثيرا بالمعايير الديمقراطية وتوظيفها كركن اساسي في صياغة السياسة الخارجية، مما يكشف الفارق بين سياسة التفرد التي مارستها الادارة السابقة ضد الاوربيين والآخرين وخصوصا في اقليم كوردستان العراق و كوردستان سوريا. وثم اهتمام متزايد من قبل ادارة بايدن الجديدة بالتعامل مع اقليم كوردستان كطرف رئيسي في صياغة السياسة في العراق، كما ليس من المستبعد ان تزداد رغبة الادارة الجديدة في لعب دور الوسيط بين المكونات المتعددة في ظل الخلافات الموجودة.
ثانيا: تعامل وسياسة اميركا الجديدة تجاه ايران وتركيا ربما يكون مكملا لسياستها الخاصة باقليم كوردستان وكوردستان سوريا. معظم التوقعات تذهب الى ان الإدارة الاميركية الجديدة وبالتنسيق مع اوربا ستقوم باعادة صياغة سياستها تجاه ايران، اذ تبدأ الخطوة الاولى بالعودة الى الأتفاقية النووية مع ايران وتخفيف او رفع العقوبات المفروضة عليها، الا ان هذه الخطوات ليست بهذه البساطة بسبب الظروف الراهنة (2021) التي تختلف عن الظروف التي كانت عليها العالم اثناء توقيع الاتفاقية اضافة الى جملة من المطاليب الاميركية الجديدة المتمثلة في ادخال ملف الصواريخ ونشاطات ايران خارج حدودها ضمن الاتفاقية. فوفق موقعهما الجغرافي فان اقليم كوردستان وكوردستان سوريا سيكونان جزءا من اي اشتباك او تصالح بين اميركا وايران ولا يستبعد ان يستخدم كل طرف الكورد كورقة ضغط ضد الاخر في المفاوضات او الصراع بينهما.
وفيما يتعلق بتركيا؛ رغم ان الصراع الايراني الاميركي هو العنوان الرئيسي للاخبار، فان الصراع بين انقرة وواشنطن حول كوردستان تركيا اكثر شدة الا انها مخفية، لقد تم اقرار مساعدة كوردستان سوريا في عهد ادارة اوباما وبايدن، ويتوقع ان تستمر ايضا في زمن بايدن، وربما تتوجه الادارة الامريكية الى ايجاد حل ديمقراطي داخلي للقضية الكوردية في سوريا ضمن الدولة السورية وتقف بالضد من التدخل التركي في محاولتها القضاء على الكيان الكوردي في كوردستان سوريا، باختصار ربما الهدف الرئيسي لادارة بايدن من اجل اكراد سوريا يكمن في الحصول على حكم ذاتي.
اما بالنسبة لاقليم كوردستان فمن غير المتوقع ان تطلق الادارة الجديدة العنان لتركيا كما فعلت الادارة السابقة، وان الموقف الاميركي حيال الهجوم التركي على جبل كارا مؤشر واضح على اختلاف السياسة الاميركية الجديدة.كما سيكون احدى خيارات السياسة الاميركية الجديدة حث الحلفاء ضمن ناتو او الاتحاد الاوربي او خارجه لتحمل المسؤولية في العراق وسوريا.
ثالثا: الحرب ضد داعش والارهاب عامل تاثير اخر في ضياغة بايدن لسياسته ازاء كوردستان العراق وكوردستان سوريا.فان الادارتين الكورديتين في سوريا والعراق استطاعا لعب دور رئيسي مع التحالف الدولي من اجل القضاء على الارهابيين اثناء الحرب على القاعدة وداعش، لذلك فانه مع استمرار مخاطر إعادة الظهور القوي لداعش في المنطقة فان الكورد في العراق وسوريا ما زالا الحلفاء المعتمدين في الحرب ضد الارهاب.
بالرغم من مساعدات الدول الغربية فان هناك قلق كبير لدى الحلفاء بخصوص خبرة قوات البيشمركة كشريك رئيسي مستقبلي لهم في المنطقة، بسبب عدم توحد قوات البيشمركة وعدم تحديث مؤسساتها وعقيدتها العسكرية وغياب استراتيجية امنية وعسكرية موحدة لها.
ان نقاط قوة الكورد كانت الملف الامني والاستقرار ومواجهة الارهاب التي اهلها للتحالف مع مع الدول الغربية، لذلك فان التضعيف المؤسسي للقوى الامنية الكوردية (البيشمركة،الاسايش،مكافحة الارهاب ) يشكل خطرا كبيرا على المكانة الاقليمية للكورد ومستقبله، ما يجب على السياسيين في الاقليم العمل على حلها باسرع وقت. ويبدو ان العراق سيبقى في عهد بايدن ايضا ساحة صراع دولي والاقليمي شديد ضد امريكا. كما لايمكن لاميركا ولا لايران اخلاء الساحة العراقية كل للآخر حتى مع التوصل الى اتفاق بينهما. كما ان رغبة ادارة بايدن تتمحور حول عدة خيارات كإعادة بناء عراق متعدد ومتوازن، إزدياد مشاركة الكورد والسنة في مركز القرار الفيدرالي، توسيع دور الامم المتحدة وناتو والاتحاد الاوربي فيها. وستكون لهذه المشاريع نتائج مختلفة حتما، بعيدا عن دور السياسة الايرانية في العراق واقليم كوردستان ومستقبل العلاقات بين تركيا وامريكا واستعداد الاتحاد الاوربي والامم المتحدة في المنطقة ووحدة الصف في اقليم كوردستان.
ڕانانى-ئایندەیی-ژمارە-9- 2020کوردى