• Google Plus
  • Rss
  • Youtube
أغسطس 24, 2017

الفیدرالیة في العراق: أزمة عدم وجود ثقة سیاسیة متبادلة

د. جلال حسن مصطفی

رابط المقال

قلة جدوی الفیدرالیة في العراق لها أسبابها المتعددة منها عدم وجود ثقة سیاسیة متبادلة بین المکونات السیاسیة، في هذه‌ المقالة سوف أوضح ابعاد هذه‌ الازمة مختصرا. توجد رؤیتین اساسیتین متضادتین في مدی قابلیة المؤسسات الفیدرالیة (مثل البرلمان، و الحکومة، و القضاء …الخ) في زیادة او انزال مستوی الصراع الدیني و القومي و بناء ثقة سیاسیة متبادلة بین الجهات المختلفة. الرؤیة الاولی تقوم علی فرضیة ان الفیدرالیة و مؤسساتها تؤدیان الی ابراز الهویات المتعددة و المختلفة (مثل الکورد، العرب، الترکمان، الشیعة، السنة، و القومیات و الادیان الاخری) من خلال بناء مؤسسات رسمیة و دستوریة لها (مثل حکومة اقلیم کوردستان) و التي في الاخیر تؤدي الی بلادة الفیدرالیة و انحلال الدولة و تقسیمها الی دول. و الرؤية الثانية تقوم علی فرضیة ان ابراز الهویات المختلفة و المتعددة هو جزء أساسي من الاعتراف بحقوق المکونات و ‌هذا الاعتراف یؤدي الی تقویة فکرة المواطنة المتساویة لدیهم و منها الی بقائهم ضمن الدولة الواحدة و العمل علی ازدهارها.

 و لکنني أقول ان کلا الرؤیتین و الفرضیتین فیهما نصیب من الصحة و لکن بشرط توافر خلفیات ثقافیة، سیاسیة، و تاریخیة. ففي العراق و بسبب التأریخ الملیء بمحاولات الحکومات المتتالیة لتجنب الاعتراف بالهویات القومیة خوفا من تفتت العراق، و اللجوء الی اسالیب الترغیب و الترهیب من الحث علی تصحیح القومیة و مرورا بعملیات إبادة المواطنین و التي أدت الی ولادة خوف و حذر دائمین من سلوکیات الحکومة و خاصة عند الکورد، و هذا الشعور قلما تجده‌ آفلا في أذهانهم و خاصة النخبة السیاسیة منها. ان هذه‌ الحالة من الخوف و الحذر أنتجت ضعفا في الثقة السیاسیة المتبادلة بین النخبة السیاسیة الکوردیة و العربیة و في هذا إشارة الی قلة جدوی الفیدرالیة، و مما صعب الأمور و عقدها علی الفیدرالیة العراقیة هو سلوکیات النخبة الحاکمة في العراق تجا‌ه‌ الفیدرالیة نفسها و عملهم الدؤوب علی ممارسة المرکزیة و حصر السلطات في المرکز و في ید مکون و تیار سیاسي واحد.

توجد اشکالیة اخری في کلا الفرضیتین، الا و هي ان کلتاهما تقران بأن علی المؤسسات ان تؤدي الی بناء الثقة السیاسیة بین النخب و لکن من فقهاء السیاسة من یری العکس،  أي یجب ان یکون الثقة السیاسیة موجودة قبل وجود المؤسسات حتی تؤتي ثمارها المرجوة منها. و السؤال هنا هو هل الثقة قبل المؤسسات او العکس؟و الجواب هنا متعددة الجوانب، و لکنني اری ان مستوی معین من الثقة المتبادلة ضروریة لأرساء المؤسسات، و بعدها تقوم المؤسسات بإدامة و زیادة الثقة من خلال حیادیتها و وطنیتها.

ان المستوی المتدني من الثقة السیاسیة المتبادلة بین الشیعة و السنة و الکورد و المکونات الاخری في العراق لها جذورها السیاسیة و التاریخیة و السیاقیة الاخری، و سوف اشیر الی بعض منها باختصار:

1-    ان الدولة العراقیة عند ولادتها اخذت شرعیتها من قوی خارجیة و خاصة البریطانیة و لم تأخذ الشرعیة من خلال اجراء استفتاءات شاملة و حیادیة بین المکونات المحتلفة الموجودة. و لکن ربما یقال هنا ان البریطانیین قد اجروا استفتائین في العراق عامي 1919 و 1921 بقصد اخذ الشرعیة للدولة، و لکن و بقراءة متأنیة لمجریات الاستفتائین و کیفیة اجرائهما و الأسئلة المطروحة و المناطق التي شملتها الإستفتائین و طریقة اعلان النتائج و نزاهتهما ستقودنا الی شکوک معمقة علی صحتهما و القول ببطلانهما.

2-    ان العراق من ولادتها و حتی الاحتلال الامریکي قد حکمت من قبل نخبة سنیة، و هذا لیس معناه‌ ان الشیعة و الکورد لم یتبوءا خلال هذا التأریخ ایة مناصب مرموقة و عالیة و لکن معناه‌ اننا اذا قارننا النسبة السکانیة للکورد و الشیعة مع نصیبهم في صنع القرار في العراق نجدهم غائبین في المشارکة الفعلیة في السلطة. احتکار السنة للحکم في العراق لها أسبابها الموضوعیة ایضا و سوف اذکر هنا سببین: اولا عند قیام الدولة العراقیة في عشرینیات القرن الماضي قامت مراجع الشیعة بالافتاء بحرمة الدخول و العمل في الحکومة. ثانیا: اعتمد البریطانیون في بناء الدولة العراقیة علی طبقات من الناس کانت تراهم ذا خبرة و لباقة في الحکم، و کانوا اکثریتهم من السنة، و هذه‌ الطبقات کانت: اشراف بغداد، الضباط العثمانیین، رؤساء القبائل، و الموظفین السابقین للدولة العثمانیة.

3-    وجود تیارات قومیة مختلفة و متضادة و التي کانت بعامتها ذا رؤیة تسمی بالجوهریة (Essentialist) و التي تری ایة حرکة من الاخر تهدیدا علی وجودها‌ و کیانها‌. بشکل عام یمکن تصنیف التیارات القومیة الی ثلاثة اتجاهات مؤثرة: أولا، التیار القومی اڵداعي الی قومیة عربیة جامعة (Pan-Arabism) و التي ارادت جمع العرب کافة في کیان واحد و إن السنة کانوا من الداعمین الرئیسین له‌، و هذا التیار في العراق وصلت الی قمتها عند توحید العراق و الأردن في مملکة واحدة في أوائل عام 1958 و لکن ما لبثت الوحدة وقتا طویلا حتی قضي علیها في انقلاب عام 1958. التیار الثاني کان داعیا الی القومیة العراقیة منحصرا دعوته‌ الی إقامة عراق قوي و غني، غیر آبه‌ بما یحصل في الدول العربیة الاخری، و کانت الشیعة من الداعمین الرئیسین لهذا التیار. ثالثا: التیار القومي الکوردي الذي کان في بدایته‌ یدعوا الی و یکافح من اجل دولة مستقلة للکورد، و لکن و بعد ان استخدم البریطانیون و الدولة العراقیة القوة العسکریة ضدهم في عشرینیات القرن الماضي و بعد الاعتراف بالدولة العراقیة من قبل عصبة الأمم في عام 1932 أصاب التیار القومي الکوردي نوعا من الیأس في إقامة دولة مستقلة، فبدؤوا یطالبون فقط بمشارکة فعالة و منصفة في مؤسسات الدولة و صنع القرار السیاسی و الاعتراف بهویتهم الممیزة عن الاخرین و المطالبة بالحقوق الثقافیة. و في اواخر الستینیات و أوائل السبعینیات رفعوا سقف مطالبهم الی إقامة منطقة حکم ذاتي لهم، و من عام 1992 الی المطالبة بالفیدرالیة.

4-    کان لإنعدام استقرار الوضع السیاسي في العراق و ازدیاد عدد الانقلابات و التقلبات المتتالیة في الوزارات دور أساسي في قلة الثقة السیاسیة المتبادلة. فمنذ عام 1920 و حتی عام 1958 کانت هناک حوالي ستین مجلسا للوزراء، أي بنسبة 1.57 مجلسا لکل سنة. 

هذه‌ هي بعض الأسباب التي أثرت سلبیا علی قابلیة و جدوی الفیدرالیة في العراق.

Send this to a friend